خبايا غير منشورة عن مناقلات في موازنة 2013
لم يقف كثيرون عند مشروع قانون الموازنة العامة الذي أقره النواب منذ ثلاثة شهور وأعيد إليهم معدلا الأسبوع الماضي ليتم إقراره من جديد بأغلبية 65 نائبا من أصل 97 ، في حين طالب برده 28 .
المشروع أقر ، وأصبح قانون الموازنة العامة قابلا للتنفيذ بانتظار الأعيان ، وجاء مشروع القانون كما ورد في أسبابه الموجبه : " إنه لا إمكانية لصرف كامل المخصصات المرصودة لبعض المشاريع الرأسمالية الممولة من المنحة الخليجية لسنة 2013 ، والواردة في موازنات بعض الوزارات كوزارة الطاقة ووزارة النقل نتيجة عدم استكمال الدراسات والوثائق اللازمة لعدد من هذه المشاريع والذي أدى إلى التأخر في طرحها وإحالتها ، لأن طبيعة هذه المشاريع استراتيجية وتحتاج إلى فترات زمنية طويلة " .
وتضيف الأسباب الموجبة التي ساقتها الحكومة للنواب : " إن المشروع جاء لنقل تلك المخصصات إلى مشاريع أخرى ممولة من المنحة الخليجية وواردة في موازنات وزارات أخرى كوزارة الأشغال العامة والإسكان ووزارة التخطيط من أجل الإستفادة من المنحة الخليجية المرصودة في قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2013 وسحبها " .
لا أعتقد أن الخوف من امتعاض دول الخليج المانحة يجيز للحكومة نقل مخصصات إلى مشاريع بوزارات أخرى ، مع أنه يفترض أن يتم التركيز على المشاريع التي تنتج فعلا ، وليس صرف الأموال لمجرد خوف من انطباع وغضب المانحين ، فتزيد الحكومة في سرعة إنفاقها وكأن الأمر هو مجرد إنفاق على طريقة " الطايح رايح " بدون أي انتظار لمشاريع إنتاجية ومستدامة يتوجب على الحكومة أن تكون أنجزت مخططاتها ومتطلباتها كافة ، مع التنويه : أننا نتحدث عن موازنة 2013 ، والمنحة اقرت نهاية العام 2012 ، وتسعة أشهر كافية جدا إن أحسنا التصرف للتقدم إلى الأخوة الخليجيين وصناديقهم بمشاريع إنتاجية ينطبق عليها المثل " لا تعطه سمكة ، بل علمه الصيد " .
وإن أغرب ما قرأت في هذه القضية أن مخصصات صرفت لوزارة الطاقة كانت هي أحد الأسباب ، على اعتبار أن الوزارة لن تتمكن من إنفاق ما رصد لها من المنحة بسبب عدم استكمال الدراسات والتصاميم والمخططات ، هكذا يفهم ، وهو ما دفع الحكومة إلى نقل تلك المخصصات إلى وزارات أخرى مشاريعها جاهزة للتنفيذ ، فهل تمت مساءلة أولئك الذين أخروا المشاريع والتصاميم والمخططات ، أم أن الحل جاهز وهو أن نعدل قانون الموازنة الذي أقر من مجلس الأمة ، نوابا وأعيانا ، بعد نقاشات جرت ليلا ونهارا في جلسات صباحية ومسائية ، لتأتي الحكومة بعد ذلك وتقول : إننا لا نعرف كيف سننفق المنحة الخليجية لهذا العام ، وإنكم ايها الأعيان والنواب مطالبون بتعديل القانون من أجل نقل المخصصات من وزارة إلى أخرى ، وإن ساقت الحكومة الحالية حجة أن الحكومة السابقة لم تتمكن من إنجاز المشاريع واكتفت بتزويد الأخوة الخليجيين بأسماء المشاريع دون تفاصيلها الوافية ، أو تلقت أسماء مشاريع مثلا ، فإنني أتساءل : كيف تم إذن تضمين موازنة وزارة الاشغال أو الطاقة في الموازنة التي اقرت قبل ثلاثة شهور فقط ، وليس العام الماضي أو بعد توقيع الحكومة السابقة على المنحة التي تصل إلى 5 مليارات دولار .
لقد كان يجدر أن يكون هناك فريق اقتصادي متمكن ومطلع وخبير بالمال والأعمال بعيدة المدى ، وليس فريقا يفطن في آخر لحظة أن الدول الخليجية لا تمنح أموالا ، بل تمنح مشاريع ، ومن أجل ذلك ، فإن الأموال التي كانت مخصصة لوزارة الطاقة والتي تم تحويل بعضها لوزارات أخرى بموجب مشروع القانون المقر نيابيا ، تم وضعها عشوائيا - كما يبدو - فهل تمت محاسبة أحد ، من أولئك الذين تسببوا بنقل الأموال ، وبالتالي تأخير مشاريع في الطاقة يعتبر الأردن بأمس الحاجة إليها كوننا نتحدث هنا عن وجع الأردن الحقيقي وهو فاتورة النفط ؟؟ .
لا أفهم أيضا ما ساقه وزير المالية من أن هناك في بعض الوزارات مشاريع جاهزة لتستفيد من المنحة الخليجية بينما لا توجد هذه المشاريع في وزارات أخرى ، فمن يتحمل مسؤولية ذلك ، اليس وزير المالية نفسه هو من قرأ على مجلس الأمة القانون السابق ، وأين كان معاليه حينها من حقيقة أن وزارة الطاقة قاصرة عن إنجاز التصاميم والمخططات ؟ .
أفهم ، ويفهم قانونيون معي أن قانون الموازنة العامة لا يجيز نقل الأموال من فصل إلى آخر إلا بقانون كما تنص عليه المادة الثامنة التي عدلت بإضافة فقرة عليها ، وأن الحكومة الحالية اضطرت إلى طرح مشروع قانون الموازنة المعدل لهذا السبب ، ولكن المعضلة ليست قانونية هنا ، بل هي معضلة في " العقلية " الإستثمارية الأردنية ، وخاصة الرسمية منها ( أستطيع هنا أن أضرب عشرات الأمثلة ) وهي عقلية خامدة وغير متفتحة ، وغير ذكية ، بحيث أضاعت على بلدنا مشاريع استراتيجية كنا نعتقد أن لدينا وزارة تخطيط أحاطت بها علما ، ووزارة طاقة وضعت كل ما يلزمها ، ووزارة نقل أنجزت كل تفاصيلها ، لنكتشف أن وزارة التخطيط بحاجة إلى تخطيط ، ووزارة النقل لا تعرف عن القطار السريع أو النقل سوى التكاليف ، هذا إن عرفت ، وغير ذلك بحيث جرى طبخ فصول المناقلات بمشروع القانون المعدل لقانون الموازنة العامة لكي لا تذهب منحة الـ 2013 مع الريح ، ولا حرج أن تذهب الأموال في نفقات رأسمالية سريعة النفاد .
كما وإنني سأطلع قرائي الاعزاء على بعض الخفايا غير المنشورة حول المنحة الخليجية ، حيث تكشف أوراق رسمية حصلت عليها - كإعلامي - ومن حق الجميع الإطلاع عليها كونها لا تكتسب درجة السرية : أن عدد المشاريع التي تمولها المنحة الخليجية هي 115 مشروعا حيث تم تمويلها بقيمة تصل إلى " 595 ، 2 " مليار دولار ، لهذا العام وأغلبها مشاريع فرعية ، وتقسم المشاريع الفرعية إلى قسمين :
1 - : مشاريع جديدة ، وتبلغ 18 مشروعا بكلف إجمالية تصل إلى ( 191 ، 1 ) مليار دولار ، حيث يتم التركيز هنا على القطاعات ذات الأولوية ، من مثل " الطاقة " التي تم إلغاء بعض مشاريعها للأسف ، والمياه ، بغية تحسين كفاءة التزود بالمياه وزيادة حصة الفرد ، وكما قلت آنفا : إن هذه المشاريع التي يفترض أن تكون لها الأولوية أصبحت بموجب القانون الجديد في خبر كان ، ليستمر اعتماد الأردن على الطاقة المستوردة ودفع فروق الإرتفاعات الجنونية في الأسعار ، وتذهب في ستين داهية أيضا مشاريع الطاقة المتجددة التي سبق وأفردت لها مقالا خاصا ، مع أنه يفترض أن تكون هذه المشاريع راسخة رسوخ الجبال وذات أولوية قصوى .
2 - : مشاريع مستمرة وقيد التنفيذ ، وهذه هي التي استفادت من القانون ، ويبلغ تكلفتها المرصودة لها قبل تحويل مخصصات الطاقة وغيرها إليها مبلغ ( 404 ، 1 ) دولار ، وهي مشاريع ليست جديدة ، بل هي قيد الإستمرار عن طريق الوزارات والمؤسسات التي تطلع بها ، ونفقاتها مدرجة أصلا في الموازنة لتتمكن الحكومة من متابعة مشاريعها الراسمالية التي التزمت بها ، وتم تضمينها هنا لتقليل العجز في الموازنة وتخفيض عمليات الإقتراض .
ولقد تبين لي من خلال اطلاعي على بعض الملفات ، أن الأموال المودعة في البنك المركزي مودعة باسم صناديق الدول الخليجية المانحة ، وليس باسم الحكومة الأردنية .
ولأزيدكم من الشعر بيتا ، أورد لكم أرقاما تنشر لأول مرة للقطاعين اللذين سيق القانون المذكور بسببهما إلى مجلس الأمة معدلا وتمت المناقلات منهما إلى مشاريع بوزارات أخرى ، وهما قطاع الطاقة ، وقطاع النقل :
فلقد بلغت المشاريع الممولة لقطاع النقل العام ( مشاريع الموازنة العامة ) مبلغ 69 ، 171 مليون دولار ممولة من الكويت ، وتضم مشروع الربط للنقل العام بين عمان والزرقاء ( سكة حديد عمان الزرقاء ) الذي مل المواطنون من كثرة ما كتب عنه وما قيل فيه .
وأيضا مشاريع هيئة تنظيم النقل البري بكلفة ( 78 ، 61 ) مليون دولار ، وهي مشاريع ممولة من الكويت ـ يضاف إليها مشاريع ممولة من السعودية وأحدها مشروع " وصلة الشيدية " - وهو أحد مكونات المرحلة الاولى من شبكة سكة الحديد وبكلفة ( 00 ، 75 ) مليون دولار ليصبح المجموع ( 96 ، 246 ) مليون دولار .
أما قطاع الطاقة ، وهو الأهم ، فيشمل : التنقيب عن الصخر الزيتي ، وهو ممول من الكويت بكلفة ( 49 ، 3 ) مليون دولار ، ومشروع ميناء الغاز الطبيعي المسال ، وهو ممول من الكويت أيضا وبكلفة ( 00 ، 60 ) مليون دولار ، ومشاريع الطاقة المتجددة ، - رياح - وبكلفة ( 00 ، 150 ) مليون دولار ، وهو ممول من الكويت كذلك ، ومشاريع الطاقة المتجددة - شمسية - وهو مشروع ممول من أبو ظبي بكلفة ( 00 ، 150 ) مليون دولار ، ومشروع منشآت تخزين المشتقات النفطية ، وهو ممول من أبو ظبي أيضا وبكلفة ( 0 ، 210 ) مليون دولار .
باختصار : إن ضاعت المنحة الخليجية على إعادة تزفيت شارع ، وبناء رصيف ، ورواتب ، وتعليق جسر وغيرها ، وتركنا المشاريع الإستراتيجية المستدامة ، فإن السلام علينا ورحمة الله وبركاته ، ولا يجوز أن يغضبنا من يصرخ في آذاننا غدا : " على نفسها جنت براقش " .
د.فطين البداد