مروان القاسم .. اين اختفى !؟

المدينة نيوز - خاص - كتب محرر الشؤون المحلية - : كان يمكن لشاب اسمه مروان القاسم ان يكون عضوا في الحزب القومي السوري الاجتماعي، حين استهوته افكار الحزب القومية وشخصية مؤسسه انطوان سعادة، وهو يرى الحراك الحزبي والسياسي يجتاح الشارع الاردني في منتصف الخمسينات، غير انه ظل مترددا في اجتياز الخطوة الاخيرة تحو بيت الحزب، ربما حتى لا يحرج والده صدقي القاسم الذي شغل مناصب رسمية عديدة في الدولة، وكان وقتها عضوا في مجلس الاعيان.
من ثلاثينيات القرن الماضي استوطنت عائلته عمان، قادمة اليها من احدى قرى طولكرم، وربما كان ذلك من عمر السياسي العتيق الذي يقف الان على الدرجات الاخيرة من ربع القرن الثالث من عمره، رغم ان الرجل ما زال محتفظا بحيويته وشباب روحه.
الذين يعرفون مروان القاسم الذي قاد الدبلوماسية الاردنية في مرحلة من اكثر المراحل التي عاشتها البلاد والمنطقة حساسية، يعرفون حجم الجهد الاستثنائي الذي بذله وزير الخارجية، بتوجيه من الملك الراحل الحسين، من اجل اطفاء شرارة حرب الخليج الثانية قبل اشتعالها، بعد الاجتياح العراقي للكويت في آب 1990، وتشهد على ذلك جولاته المكوكية بين بغداد والقاهرة والرياض ودوره السياسي المتفرد في اجتماعات مجلس الجامعة العربية الذي اتخذ قرارا بالمشاركة في الحلف ، وعندما سيكتب السياسي العتيق مذكراته، فان كثيرا من اسرار تلك المرحلة ستكون بين يدي الباحثين عن الحقيقة التي ما تزال بعض صفحاتها غامضة.
ومثلما تفرد برفض المشاركة الاردنية في العدوان على العراق عام 1991 امام زملائه قادة الدبلوماسية العربية، فان مروان القاسم ظل يملك موقفا متفردا ايضا في مناهضته للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، لقناعته بان الاردن اكثر قدرة على التعامل مع مستجدات السياسة الدولية، واكثر تأهيلا في اعادة الضفة الغربية للحضن العربي من براثن الاحتلال الاسرائيلي، لكن صوته لم يكن مؤثرا في تلك المرحلة .
كانت حقيبة وزارة التموين اول خطواته نحو المناصب السياسية العليا التي تسلمها فيما بعد، حيث شغل منصب رئيس الديوان الملكي في نهاية الثمانينيات، وكان واحدا من اعضاء الحلقة الضيقة في المطبخ السياسي الاردني في مرحلة شهدت فيها البلاد تحولات سياسية كبيرة باتجاه عودة الحياة الديمقراطية بعد هبة نيسان عام 1989، لكن الرجل غادر موقعه في وزارة الخارجية نهاية عام 1990، قبل ان تشتعل نيران الحرب التي فشل في اخمادها.
كانت عضويته في مجلس الاعيان عام 1995 آخر عهده بالوظيفة السياسية الرسمية، حين قرر مروان القاسم احالة نفسه على التقاعد المبكر ولما يبلغ الستين من عمره واعتزال الحياة السياسية تماما، الرسمي منها والشعبي، الى درجة غيابه التام عن كل الفعاليات العامة في البلاد، اذ قرر التفرغ لادارة اعماله الخاصة، ويتحول الى مزارع "مودرن " رغم ان يديه ناعمتان .
حين كان على راس عمله في الديوان الملكي، راى ان حجم "المكرمات " التي تقدم لمن يسمون بالرموز الاجتماعية اكبر مما تتحمله خزينة الدولة، فذهب الى تخفيضها بشكل كبير، لتتحول الوفورات المتحققة من ذلك للاسهام في تحصين البنية التحتية للدولة.
واحد من خزنة الاسرار في البلاد، لكن اسراره ما تزال حبيسة "رأسه " المثقل بهموم لا حصر لها، ورغم ان الحكومة ضمت في عضويتها، في زمنه وغير زمنه، اكثر من "مروان " الا ان اسمه ظل يملك وقعا مختلفا في الحياة السياسية، حيث توقع له كثيرون ان تقوده خطواته نحو الدوار الرابع رئيسا، وهو الذي يسكن على مقربة منه، الا ان الرجل ظل منحازا لصفة المراقب في الحياة العامة مبتعدا عن مهمات صناع القرار، وهو يرى التردي يزداد حضورا وتغطي سحبه الداكنة سماء المنطقة، بعد اختلال التوازن الدولي وانهيار الاتحاد السوفييتي.
مروان القاسم .. حجر قوي في بنيان البيت السياسي الاردني المعاصر، لذلك فانه يظل حاضرا في وجدان الاجندة الوطنية، حتى لو استمر في غيابه عن فعاليات المشهد العام.