خطبة الجمعة المقترحة : الوقف وأثره في المجتمع

المدينة نيوز - نشرت وزارة الاوقاف عناصر مقترحة لخطبة الجمعة بتاريخ 11/12/2015 م ، والتي حملت عنوان : "الوقف وأثره في المجتمع " .
وتاليا محاور الخطبة :
• قال الله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة، بهدف تماسك المجتمع وتلاحمه وقوته ومنعته شرع الله تعالى أحكاما عديدة وحثَّ على فعل الخيرات وترك المنكرات، ومن الأحكام التي شرعها الله تعالى وتسهم إسهاما كبيرا في بناء المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره وتعميق المحبة والتواصل والتراحم بين أبنائه الانفاق والصدقة في سبيل الله تعالى، وجعلها وسيلة خير غير ركن الزكاة، ذلك أن الصدقة لها دورها وأثرها في بناء الأمن الاجتماعي وتحقيق التوازن في المجتمع .
• إن من أفضل الصدقات الوقف الذي يُحْبَسُ فيه المال؛ ويُنْتفعُ به في صالح الأعمال، وهذا الوقف صدقة جارية لواقفه فإذا انقطع به العمر فلا ينقطع فيه الأجر بإذن الله تعالى، جاء في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ". رواه مسلم. والمقصود بالصدقة الجارية الوقف ويضاف ثواب هذه الثلاثة إلى صحيفته، لأنها من عمل يده، ولأنه كان السبب في اكتسابها، فيدوم أجرها ولا ينقطع ثوابها، قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف. وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقفه، واشتهر ذلك منهم، فلم ينكره أحد، فكان إجماعاً.
• إن الأوقاف منفعة عامة للمسلمين، وهي بعد موت واقفها لسان ذكر له في الآخرين، فهي أصل قائم؛ وأجر دائم، لذا جاء الشرع الشريف بالحث عليها والإرشاد إليها، وجعل ما يُوقفه الإنسان: أمارة برٍّ وعلامة إحسان، كما قال الله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }،وجاء في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله؛ إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع، ولا يورث ولا يوهب، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه" أخرجه البخاري.
• كان الصحابة رضوان الله عليهم يتخيرون أفضل أموالهم، ويوقفونه على المسلمين.. هذا أبو طلحة فيما رواه أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله، إن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجوا برها وذخرها فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وأرى أن تجعلها في الأقربين.
• الوَقْفُ فِي الإِسْلامِ، صُورَةٌ حَضَارِيَّةٌ مُشْرِقَةٌ لِعَطَاءِ المُسلِمِ وَبَذْلِهِ وَإِيْجَابِيَّـتِهِ فِي الحَيَاةِ، وَسَعْيِهِ وَاهتِمَامِهِ بِالمُجتَمَعِ مِنْ حَولِهِ، وَتَقَاسُمِ التَّكَالِيفِ وَالأَعْبَاءِ مَعَهُ، وَهُوَ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ تَرْبِيَةٌ عَلَى التَّكَافُلِ الاجتِمَاعِيِّ، وَتَوكِيدٌ لِدَورِ المُجتَمَعِ فِي التَّنْمِيَةِ وَالرُّقِيِّ، كَمَا أَنَّ الوَقْفَ يُعَزِّزُ ثَقَافَةَ المُبَادَرَاتِ الفَرْدِيَّةِ وَالأَعْمَالِ التَّطَوُّعِيَّةِ فِي المُجتَمَعِ فِي مَجَالاتِ الحَيَاةِ المُختَلِفَةِ وَالمُتَنَوِّعَةِ، فِي إِطَارٍ مِنَ العَمَلِ المُؤَسَّسِيِّ المُنَظَّمِ، المُتَّفِقِ مَعَ التَّشْرِيْعَاتِ وَالنُّظُمِ، يَستَلْهِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ وَيَهتَدِي بِأَحكَامِ الدِّينِ، وَيَبتَغِي الصَّلاحَ وَالخَيْرَ فِي كُلِّ قَصْدٍ وَمُرَادٍ، وَمَهْمَا تَنَوَّعَتْ مَنَاحِي الحَيَاةِ وَتَعَدَّدَتِ الحَاجَةُ إِلَى مُؤَسَّسَاتٍ قَادِرَةٍ عَلَى تَلْبِيَةِ احتِيَاجَاتِ الفَرْدِ وَإِشْبَاعِهَا وَتَثْمِيرِ طَاقَاتِهِ وَتَوجِيْهِها فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِ وَعَلَى المُجتَمَعِ بِالنَّفْعِ وَالفَائِدَةِ، فَالفَردُ فِي المُجتَمَعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ دَوْرٌ فَاعِلٌ فِي خِدْمَةِ وَطَنِهِ وَمُجتَمَعِهِ، كُلٌّ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَعَلَى قَدْرِ استِطَاعَتِهِ، ((لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا))(8)، ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا))(9)، وَثَوَابُ اللهِ لا حُدُودَ لَهُ، مُمتَدٌّ مَهْمَا امتَدَّتْ يَدُ الإِنْسَانِ فِعْلاً لِلخَيْرِ وَإِرْسَاءً لِلفَضِيلَةِ، وَتَوكِيدًا لِلْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيلَةِ.
• لقد كان للوقف أثر كبير في تطور مسيرة العلم والتعليم عبر التاريخ، حيث ظهر الاهتمام بالمدارس النظامية التي تخرج الأجيال وتعدهم لحمل أمانة بناء المستقبل، وتطوير المنجزات الحضارية، وقد كان أهل الخير في العصور الإسلامية السابقة يتسابقون في فعل الخيرات وعمل الطاعات، ويتبارون في وقف أموالهم، ابتغاء وجه الله، ويمدون جسور الخير بين عمل الدنيا وثواب الآخرة. فلم يكن إسهامهم في الوقف ليقتصر على بناء المساجد، بل تجد منهم من كان يقيم المستشفيات، ويبني المدارس ، ومنهم من كان يبني دوراً للضيافة وأبناء السبيل، ومنهم من وقف ماله أو بعض ماله على طلاب العلم.. وبهذه الأوقاف ازدهرت العلوم والمعارف، وقامت النهضات المباركة وتحول كثير من المساجد إلى جامعات، في شرق العالم الإسلامي وغربه. وكتب التاريخ والتراجم مليئة بأخبار الأوقاف ومنافعها، وأنواع الموقوف عليه من مدارس ومكتبات وكتاتيب. وأوقاف لحملة القرآن، وأخرى للمحدثين، وأوقاف للأرامل واليتامى والمساكين، وأوقاف للإطعام وللكسوة ولسقي الماء، وكان أرباب المذاهب الفقهية يتنافس أثرياؤهم للوقف على فقهاء المذهب، أو نسخ كتبه أو غير ذلك، وما هذا التراث الضخم من العلوم الشرعية وكتبها التي وصلتنا إلا والوقف سبب من أسبابها المؤثرة. وعليه فإن وقف الاملاك من اجل التعليم والعلم يكون من الاعمال الباقية للمرء حتى بعد موته والتي اخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ( اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية وولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به ).
• إنَّ من خصائصِ الوقفِ أَنَّ الواقِفَ يمكنُ أَنْ يُوجِّهَ صرفَ ريعِ وقفِه إلى حيثُ يظنُّ أنَّه أعظمُ أجراً وأكثرُ نفعاً ، فله أن يَشترطَ في وقفِه: أَنْ يُصْرَفَ ريعُ وقفِهِ في بناءِ المساجِد وعمارتِها، أو على الفقراءِ، أو طلبةِ العلمِ، أو بناء المدارس، أو يجعلَه في أوجُهِ الخيرِ والبرِّ عامةً، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنَّ مما يلحقُ المؤمنَ من عملهِ وحسناتهِ بعد موتهِ: عِلماً نَشَره، وولداً صالحاً تركه، ومُصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابنِ السبيلِ بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالهِ في صحتهِ وحياتهِ؛ تَلحَقُهُ من بعدِ موتهِ " أخرجه ابن ماجه . ويمكنُ للواقفِ أن يُوجِّه صَرْفَ ريعِ وقفهِ لما يحقِّقُ مصالِحَ المجتمعِ وبما يدعَمُ خِطَطَ التنميةِ فيه، من تعليمٍ وخِدْماتٍ صحيةٍ، وتمويلِ المشاريعِ الخِدْميةِ، ونشرِ الثقافةِ النافعةِ المفيدةِ، وتلبيةِ احتياجاتِ الأقلياتِ الإسلاميةِ في العالمِ، ومواجهةِ آثارِ الكوارثِ والجوائحِ الطبيعيةِ، وغيرِ هذا فيما يعودُ نفعُه، على المجتمعاتِ الإنسانيةِ جمعاءَ.
• الوقف يُوفِّرُ مصدراً دائماً ثابتاً للإنفاقِ يدومُ ويستمرُ مادامَ الوقفُ قائماً، وذلك لأنَّ من شأنِ الوقفِ أن يُنفقَ على عمارتهِ وصيانتهِ من ريعهِ؛ حتى يبقَى أصلاً ثابتاً مُدِراًّ للرَّيعِ ، مُحَقِّقاً لشرطِ الواقفِ الذي وَجَّه به صَرْفَ وَقْفهِ، وبهذا لا يحتاجُ الوقفُ إلى جهةٍ أو مصدرٍ آخرَ لعمارتهِ وصيانتهِ، ولا يتحملُ الواقفُ كُلفةَ الصيانةِ والإعمارِ من مالهِ .
• اعلموا أنَّ حاجةَ المجتمعاتِ الإسلاميةِ إلى المالِ هي حاجةٌ كبيرةٌ؛ وذلك لتلبيةِ احتياجاتِ الإعمارِ والتنميةِ وبناءِ حضارتهِمُ المعاصرةِ، وإن من أوجبِ الواجباتِ الشرعيةِ أن يساهمَ المسلمونَ في إعمارِ أوطانهِم وتمويلِ احتياجاتهِم، والسعيِ لتوفيرِ مصدرِ تمويلٍ مستقلٍ يعتمدونَ فيه بعدَ اللهِ على أنفسهم في إقامةِ مصالحهِم، ولذلك فلْنتَواصَ على إحياءِ سُنّةِ الوقفِ والتوسُّعِ فيه ليكونَ هو الأصل الثابت الذي يُوفِّرُ لنا هذا التمويلَ الدائمَ والمستمرَّ، ولتكنْ أموالُ الوقفِ دُولَةً بين المجتمعاتِ الإسلاميةِ، والشأنُ في المسلمينَ هو ما أخبر به الرسولُ الكريمُ - صلى الله عليه وسلم - : " مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهِم وتراحُمهم وتعاطُفِهِم مَثلُ الجسدِ إذا اشتكى مِنه عضوٌ تَداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى" . أخرجه البخاري ومسلم.
• نظراً لأهمية الوقف ودوره في بناء المجتمع ودعم خطط التنمية، فقد وضعت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بمقتضى قانون الأوقاف نظاماً للبرامج الوقفية الخيرية؛ يهدف الى ضمان انفاق العوائد الوقفية على أوجه البر المختلفة، وعدم اختلاط الاموال الوقفية بأموال خزينة الدولة، بحيث يتم انفاق عوائد الوقف من خلال برامج الانفاق على المساجد والرعاية الصحية والتعليم وبرنامج مساعدة المحتاجين والبرنامج العام، وفق شروط الواقفين، ومن هنا نحث السادة المواطنين على تفعيل الوقف الاسلامي في حياتنا الأمر الذي يتحقق من خلاله رقي المجتمع وتقدمه وتوفير الدعم اللازم لأوجه الخير المختلفة ومعالجة العديد من القضايا والمعيقات.
محاور مقترحة لخطبة الجمعة بتاريخ 11/12/2015
الوقف وأثره في المجتمع
· قال الله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة، بهدف تماسك المجتمع وتلاحمه وقوته ومنعته شرع الله تعالى أحكاما عديدة وحثَّ على فعل الخيرات وترك المنكرات، ومن الأحكام التي شرعها الله تعالى وتسهم إسهاما كبيرا في بناء المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره وتعميق المحبة والتواصل والتراحم بين أبنائه الانفاق والصدقة في سبيل الله تعالى، وجعلها وسيلة خير غير ركن الزكاة، ذلك أن الصدقة لها دورها وأثرها في بناء الأمن الاجتماعي وتحقيق التوازن في المجتمع .
· إن من أفضل الصدقات الوقف الذي يُحْبَسُ فيه المال؛ ويُنْتفعُ به في صالح الأعمال، وهذا الوقف صدقة جارية لواقفه فإذا انقطع به العمر فلا ينقطع فيه الأجر بإذن الله تعالى، جاء في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ". رواه مسلم. والمقصود بالصدقة الجارية الوقف ويضاف ثواب هذه الثلاثة إلى صحيفته، لأنها من عمل يده، ولأنه كان السبب في اكتسابها، فيدوم أجرها ولا ينقطع ثوابها، قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف. وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقفه، واشتهر ذلك منهم، فلم ينكره أحد، فكان إجماعاً.
· إن الأوقاف منفعة عامة للمسلمين، وهي بعد موت واقفها لسان ذكر له في الآخرين، فهي أصل قائم؛ وأجر دائم، لذا جاء الشرع الشريف بالحث عليها والإرشاد إليها، وجعل ما يُوقفه الإنسان: أمارة برٍّ وعلامة إحسان، كما قال الله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }،وجاء في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله؛ إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع، ولا يورث ولا يوهب، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه" أخرجه البخاري.
· كان الصحابة رضوان الله عليهم يتخيرون أفضل أموالهم، ويوقفونه على المسلمين.. هذا أبو طلحة فيما رواه أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله، إن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجوا برها وذخرها فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وأرى أن تجعلها في الأقربين.
· الوَقْفُ فِي الإِسْلامِ، صُورَةٌ حَضَارِيَّةٌ مُشْرِقَةٌ لِعَطَاءِ المُسلِمِ وَبَذْلِهِ وَإِيْجَابِيَّـتِهِ فِي الحَيَاةِ، وَسَعْيِهِ وَاهتِمَامِهِ بِالمُجتَمَعِ مِنْ حَولِهِ، وَتَقَاسُمِ التَّكَالِيفِ وَالأَعْبَاءِ مَعَهُ، وَهُوَ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ تَرْبِيَةٌ عَلَى التَّكَافُلِ الاجتِمَاعِيِّ، وَتَوكِيدٌ لِدَورِ المُجتَمَعِ فِي التَّنْمِيَةِ وَالرُّقِيِّ، كَمَا أَنَّ الوَقْفَ يُعَزِّزُ ثَقَافَةَ المُبَادَرَاتِ الفَرْدِيَّةِ وَالأَعْمَالِ التَّطَوُّعِيَّةِ فِي المُجتَمَعِ فِي مَجَالاتِ الحَيَاةِ المُختَلِفَةِ وَالمُتَنَوِّعَةِ، فِي إِطَارٍ مِنَ العَمَلِ المُؤَسَّسِيِّ المُنَظَّمِ، المُتَّفِقِ مَعَ التَّشْرِيْعَاتِ وَالنُّظُمِ، يَستَلْهِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ وَيَهتَدِي بِأَحكَامِ الدِّينِ، وَيَبتَغِي الصَّلاحَ وَالخَيْرَ فِي كُلِّ قَصْدٍ وَمُرَادٍ، وَمَهْمَا تَنَوَّعَتْ مَنَاحِي الحَيَاةِ وَتَعَدَّدَتِ الحَاجَةُ إِلَى مُؤَسَّسَاتٍ قَادِرَةٍ عَلَى تَلْبِيَةِ احتِيَاجَاتِ الفَرْدِ وَإِشْبَاعِهَا وَتَثْمِيرِ طَاقَاتِهِ وَتَوجِيْهِها فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِ وَعَلَى المُجتَمَعِ بِالنَّفْعِ وَالفَائِدَةِ، فَالفَردُ فِي المُجتَمَعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ دَوْرٌ فَاعِلٌ فِي خِدْمَةِ وَطَنِهِ وَمُجتَمَعِهِ، كُلٌّ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَعَلَى قَدْرِ استِطَاعَتِهِ، ((لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا))(8)، ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا))(9)، وَثَوَابُ اللهِ لا حُدُودَ لَهُ، مُمتَدٌّ مَهْمَا امتَدَّتْ يَدُ الإِنْسَانِ فِعْلاً لِلخَيْرِ وَإِرْسَاءً لِلفَضِيلَةِ، وَتَوكِيدًا لِلْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيلَةِ.
· لقد كان للوقف أثر كبير في تطور مسيرة العلم والتعليم عبر التاريخ، حيث ظهر الاهتمام بالمدارس النظامية التي تخرج الأجيال وتعدهم لحمل أمانة بناء المستقبل، وتطوير المنجزات الحضارية، وقد كان أهل الخير في العصور الإسلامية السابقة يتسابقون في فعل الخيرات وعمل الطاعات، ويتبارون في وقف أموالهم، ابتغاء وجه الله، ويمدون جسور الخير بين عمل الدنيا وثواب الآخرة. فلم يكن إسهامهم في الوقف ليقتصر على بناء المساجد، بل تجد منهم من كان يقيم المستشفيات، ويبني المدارس ، ومنهم من كان يبني دوراً للضيافة وأبناء السبيل، ومنهم من وقف ماله أو بعض ماله على طلاب العلم.. وبهذه الأوقاف ازدهرت العلوم والمعارف، وقامت النهضات المباركة وتحول كثير من المساجد إلى جامعات، في شرق العالم الإسلامي وغربه. وكتب التاريخ والتراجم مليئة بأخبار الأوقاف ومنافعها، وأنواع الموقوف عليه من مدارس ومكتبات وكتاتيب. وأوقاف لحملة القرآن، وأخرى للمحدثين، وأوقاف للأرامل واليتامى والمساكين، وأوقاف للإطعام وللكسوة ولسقي الماء، وكان أرباب المذاهب الفقهية يتنافس أثرياؤهم للوقف على فقهاء المذهب، أو نسخ كتبه أو غير ذلك، وما هذا التراث الضخم من العلوم الشرعية وكتبها التي وصلتنا إلا والوقف سبب من أسبابها المؤثرة. وعليه فإن وقف الاملاك من اجل التعليم والعلم يكون من الاعمال الباقية للمرء حتى بعد موته والتي اخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ( اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية وولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به ).
· إنَّ من خصائصِ الوقفِ أَنَّ الواقِفَ يمكنُ أَنْ يُوجِّهَ صرفَ ريعِ وقفِه إلى حيثُ يظنُّ أنَّه أعظمُ أجراً وأكثرُ نفعاً ، فله أن يَشترطَ في وقفِه: أَنْ يُصْرَفَ ريعُ وقفِهِ في بناءِ المساجِد وعمارتِها، أو على الفقراءِ، أو طلبةِ العلمِ، أو بناء المدارس، أو يجعلَه في أوجُهِ الخيرِ والبرِّ عامةً، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنَّ مما يلحقُ المؤمنَ من عملهِ وحسناتهِ بعد موتهِ: عِلماً نَشَره، وولداً صالحاً تركه، ومُصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابنِ السبيلِ بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالهِ في صحتهِ وحياتهِ؛ تَلحَقُهُ من بعدِ موتهِ " أخرجه ابن ماجه . ويمكنُ للواقفِ أن يُوجِّه صَرْفَ ريعِ وقفهِ لما يحقِّقُ مصالِحَ المجتمعِ وبما يدعَمُ خِطَطَ التنميةِ فيه، من تعليمٍ وخِدْماتٍ صحيةٍ، وتمويلِ المشاريعِ الخِدْميةِ، ونشرِ الثقافةِ النافعةِ المفيدةِ، وتلبيةِ احتياجاتِ الأقلياتِ الإسلاميةِ في العالمِ، ومواجهةِ آثارِ الكوارثِ والجوائحِ الطبيعيةِ، وغيرِ هذا فيما يعودُ نفعُه، على المجتمعاتِ الإنسانيةِ جمعاءَ.
· الوقف يُوفِّرُ مصدراً دائماً ثابتاً للإنفاقِ يدومُ ويستمرُ مادامَ الوقفُ قائماً، وذلك لأنَّ من شأنِ الوقفِ أن يُنفقَ على عمارتهِ وصيانتهِ من ريعهِ؛ حتى يبقَى أصلاً ثابتاً مُدِراًّ للرَّيعِ ، مُحَقِّقاً لشرطِ الواقفِ الذي وَجَّه به صَرْفَ وَقْفهِ، وبهذا لا يحتاجُ الوقفُ إلى جهةٍ أو مصدرٍ آخرَ لعمارتهِ وصيانتهِ، ولا يتحملُ الواقفُ كُلفةَ الصيانةِ والإعمارِ من مالهِ .
· اعلموا أنَّ حاجةَ المجتمعاتِ الإسلاميةِ إلى المالِ هي حاجةٌ كبيرةٌ؛ وذلك لتلبيةِ احتياجاتِ الإعمارِ والتنميةِ وبناءِ حضارتهِمُ المعاصرةِ، وإن من أوجبِ الواجباتِ الشرعيةِ أن يساهمَ المسلمونَ في إعمارِ أوطانهِم وتمويلِ احتياجاتهِم، والسعيِ لتوفيرِ مصدرِ تمويلٍ مستقلٍ يعتمدونَ فيه بعدَ اللهِ على أنفسهم في إقامةِ مصالحهِم، ولذلك فلْنتَواصَ على إحياءِ سُنّةِ الوقفِ والتوسُّعِ فيه ليكونَ هو الأصل الثابت الذي يُوفِّرُ لنا هذا التمويلَ الدائمَ والمستمرَّ، ولتكنْ أموالُ الوقفِ دُولَةً بين المجتمعاتِ الإسلاميةِ، والشأنُ في المسلمينَ هو ما أخبر به الرسولُ الكريمُ - صلى الله عليه وسلم - : " مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهِم وتراحُمهم وتعاطُفِهِم مَثلُ الجسدِ إذا اشتكى مِنه عضوٌ تَداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى" . أخرجه البخاري ومسلم.
· نظراً لأهمية الوقف ودوره في بناء المجتمع ودعم خطط التنمية، فقد وضعت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بمقتضى قانون الأوقاف نظاماً للبرامج الوقفية الخيرية؛ يهدف الى ضمان انفاق العوائد الوقفية على أوجه البر المختلفة، وعدم اختلاط الاموال الوقفية بأموال خزينة الدولة، بحيث يتم انفاق عوائد الوقف من خلال برامج الانفاق على المساجد والرعاية الصحية والتعليم وبرنامج مساعدة المحتاجين والبرنامج العام، وفق شروط الواقفين، ومن هنا نحث السادة المواطنين على تفعيل الوقف الاسلامي في حياتنا الأمر الذي يتحقق من خلاله رقي المجتمع وتقدمه وتوفير الدعم اللازم لأوجه الخير المختلفة ومعالجة العديد من القضايا والمعيقات.