فلسطين خارج دائرة الأخبار
لا أخبار من فلسطين، لكأن «البلاد» دخلت في موسم أعياد مبكر...لا أنباء عن «المصالحة» ولا لقاءات فصائلية ولا أحاديث عن انتخابات تشريعية أو رئاسية...ثمة حالة من «السبات»، تهيمن على المشهد الفلسطيني الداخلي، مع أن «دولة الاحتلال» تشهد منذ عامين، حراكاً سياسياً غير مسبوق: أربع انتخابات، أحزاب تنشأ وأخرى تنحل...تحالفات تتشكل وائتلافات تمضي في سبيلها...البعض يصف ما يجري في إسرائيل على أنه «أزمة»، ونصفه بأنه تعبير عن «حيوية» سياسية...يقابلها على الضفة الفلسطينية، حالة «موات»، لا القديم يخلي مطارحه، ولا الجديد قادر على الانبثاق...ولولا «العناية الإلهية» لما حصل أي تجديد أو تبديل في الأطر القيادية الفلسطينية.
«الانتظار» لا يتطلب جهداً متميزاً...هذا هو «السيناريو» الذي قلنا إن السلطة تعتمده في التعامل مع المستجدات الإسرائيلية والأمريكية والإقليمية...أين المبادرة والحركة الفلسطينيتان؟ ...لا شيء يذكر، ولولا الجولة اليتيمة التي قام بها الرئيس محمود عباس وشملت كل من عمان والقاهرة والدوحة، لما شعر أحدٌ بوجود الدبلوماسية الفلسطينية.
نحن في موسم أعياد، والعالم (الغرب عموماً) في حالة تعطل شبه تامة...وكورونا تضرب بقسوة، وهذا صحيح أيضاً، فيما أنفاس البشرية تكاد تحتبس بانتظار إتمام الانتقال بين إدارتي ترامب وبايدن...كل هذا صحيح، ويجعل الحركة الفلسطينية أكثر صعوبة...لكن الأجندة الفلسطينية مثقلة إلى جانب كل هذا وذاك، بأولويات «وطنية»...أوروبا تطالب بتجديد الشرعيات الفلسطينية، وهذا يحتاج لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، متزامنة أو متعاقبة، لا فرق، والانتخابات قرارها بيد حماس، وحماس تريد المصالحة، بما يحفظ حصتها من كعكعة السلطة...ألا تذكرون حكاية «البيضة والطاحونة» التي كنا نتداولها مغنّاة ونحن صغار؟!
هل يمكن للفلسطينيين، خوض غمار المواجهة السياسية مع إدارة ترامب، بأطر ومؤسسات مضى على انتخابها أكثر من خمسة عشر عاماً؟ ...أليست الانتخابات «ورقة قوة» تعيد الاعتبار لحكاية «الممثل الشرعي الوحيد»؟ ...ألا تفضي «دمقرطة المؤسسة الفلسطينية» إلى تعزيز مكانة السلطة في مواجهة أعدائها وخصومها، الأقربين والأبعدين؟ ...ما الذي أصاب «الجسم» الفلسطيني، بل وكيف أصيب بفيروس «اللامبالاة» و»الأنانية الفصائلية والشخصية»، وكيف يمكن استمراء حالة التآكل التي يعيشها «اللا-نظام» الفلسطيني؟
من أسهل الأمور، تعليق حالة «الموات» على مشجب الآخر...يمكن اتهام الاحتلال بالعرقلة والتعطيل، ووضع العصي في دواليب العربة الفلسطينية، ويمكن أن يكتفي طرفا الانقسام بالتلاوم وتبادل الاتهامات، وتحميل كل طرف للآخر، المسؤولية عن «المراوحة» و»السكون»...لكن الخاسر الأكبر، فيما آلت إليه تطورات الداخل الفلسطيني، هو الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
لماذا لا تصدر المراسيم الرئاسية بتحديد موعد الانتخابات، توازياً وتزامناً، مع أوسع حملات الضغط الشعبي والفصائلي والديبلوماسي لإتمام الاستحقاق؟ ...لماذا لا توضع إسرائيل وحماس على المحك في مسألة الانتخابات؟ ...إن كانت هناك نوايا جادة وجدية، في تجديد و»تشبيب» النظام السياسي الفلسطيني، فلن تعدم فتح والسلطة والمنظمة، الوسيلة لفعل ذلك...ولطالما دعونا من قبل، للشروع في بعث منظمة التحرير، بحماس أو من دونها، فإن استكملت المصالحة شروطها، تأتي الحركة الإسلامية إلى منظمة فاعلة، وليس إلى «جثة هامدة»، وإن تعذرت عودتها للصف الوطني، تكون المنظمة قد استعادت بعضاً من حضورها وحيويتها...لا يجوز تعليق مطلب تجديد النظام وتشبيبه على شرط المصالحة...التجديد أفضل بمشاركة الجميع، ولا يجوز بحال من الأحوال، تمكين أي شخص أو فصيل من «حق الفيتو» فيما يتعلق بأمر وطني على هذا المستوى من الأهمية والإلحاحية.
الحراك الديبلوماسي، عظم أو صغر، ليس بديلاً عن الالتفات للشأن الفلسطيني الداخلي، والطامة الكبرى حين يكون الأداء الخارجي ضعيفاً والحراك الداخلي منعدما.
الدستور