طلاق بين الإمارة والتجارة
يرفض الأردنيون، مهما كانت خلفياتهم الاقتصادية ومستوى مداخيلهم، الحديث عن زيادة معدلات الضرائب على سلعة أو خدمة، بحجة أنهم يسددون أكثر مما ينبغي خصوصا وأن الحكومات السابقة أسرفت في فرض الضرائب.
الموقف السابق ليس حكرا على أحد، بل يضم جميع القطاعات الاقتصادية بدءا بالبنوك والتجارة بكل أنواعها وانتهاء بالاتصالات والضرائب على الأفراد.
ويتطرف الناس في رفض مقترحات رفع معدلات الضريبة، مؤكدين أن جميع الحكومات سلكت هذا الطريق لحل المشكلات الاقتصادية وأسقطت من حساباتها المشاكل الجوهرية التي يعاني منها الاقتصاد.
وعند سؤالهم عن الحلول التي يرونها، يأتي جواب واحد لا غيره، وهو القضاء على الفساد الذي التهم كل شيء خلال الفترة الماضية، من خلال تسريع التحقيق في ملفات الفساد والبت فيها، بحيث يتسنى إعادة مبالغ مالية سلبت لتسهم بحل المشكلة.
حسم ملف الفساد يقود إلى طريق آخر يتمثل بإعادة الثقة بين المستثمر والبلد، بعد أن فقدنا كثيرا من الاستثمارات سواء تلك التي خرجت من عندنا بعد سنوات من العمل أو تلك التي جاءت ولم تكمل بعد أن طلب من أصحابها تقديم عمولات من هنا وهناك، لتسهيل مهامهم ما أدى إلى هروبهم بلا عودة.
وللأسف يمتد التأثير السلبي لما سبق، حينما يروي من هرب منهم تجربته الخاصة التي خاضها ويتحدث عن صعوبات تواجه الاستثمار في الأردن وتحديات تواجه المستثمرين، ما أدى إلى تنفير بعض أصحاب رؤوس الأموال من إنشاء استثماراتهم لدينا.
والحكايات التي تروى عن تجارب المستثمرين كثيرة، وأخطرها تلك المتعلقة بممارسة بعض المسؤولين كبارا وصغارا طلب عمولات من المستثمرين بحجة تسيير وتسهيل أعمالهم، وهو شكل آخر من أشكال الفساد التي تتعدد أثوابه بين إداري ومالي.
المشكلة أن ثمة كثيرا من الشواهد على ممارسات مسؤولينا ووزرائنا تدلل على استغلالهم للموقع العام، وتحديدا أولئك الذين ما إن يتركوا الموقع الرسمي حتى نراهم مسؤولين كبارا أيضا في شركات مهمة ويتلقون رواتب ضخمة لقاء خدمات قدموها أو سيقدمونها في موقعهم الجديد لأصحاب الشركات.
اليوم بات الفصل بين السياسة والاقتصاد مطلبا لوأد مخاوف الشركات الضخمة من مسلكيات بعض المسؤولين التي منعت كثيرا منها من العمل لدينا، وحرمت العديد من الشباب من فرصة عمل تمنحهم الفرصة لتحقيق طموحاتهم.
وإنهاء سطوة السياسة على الاقتصاد ضرورة، ورغم أن "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" إلا أن قطع العلاقة بين قطاع الأعمال والسياسة بات مطلبا، خصوصا وأن الخلط بين الأمرين تسبب بتفشي ظاهرة الفساد وهدر الأموال وسخر الثانية لخدمة الأول، وأضاع فرصا كثيرة لتحقيق التنمية المستدامة، خصوصا وأن النخب التي قبضت على السياسة يوما صارت اليوم مسيطرة على القطاع الخاص.
أبرز العيوب التي شابت النهج الاقتصادي تمثلت بالخلط بين الإمارة والتجارة، وها نحن اليوم نجني نتاج ما اقترفت أيدي المسؤولين.
تقويم اعوجاج الحال يتطلب سرعة الفصل بينهما وإلا فإن الأمور لن تسوى، وسنظل ندور بحلقة مفرغة من الشكوى تنمي حالة الاحتقان الشعبي، وتسهم بتصعيد الحراك الشعبي المستاء أصلا من حاله الاقتصادي.(الغد)