استراتيجية واشنطن .. فشل أم قربان ؟

مشهد سقوط الرئيس جو بايدن عن دراجته الهوائية يجسد تماماً حالة عدم التوازن التي يعيشها العالم اليوم وحتمية سقوطه في وحل الكساد العظيم في حال لم تتدارك واشنطن الأمر، وتعيد حساباتها فيما يتعلق باستراتيجية تعاملها مع روسيا أولاً، ومن ثم مع حالة تململ عدداً من الدول الفاعلة من «الأحادية القطبية».

استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع الحرب الروسية الأمريكية والتي جرت أوروبا إلى تبنيها استراتيجية فقدت توازنها، ولم تُعد واشنطن والغرب قادر على السيطرة على تداعياتها، وهذا ما يعتبر فشلاً استراتيجياً لقدرة واشنطن على توقع عواقب سياستها وتأثيراتها، خاصة وأنها كانت تعتقد بأنها قادرة على عزل وخنق موسكو إلا أن ما حدث هو خنق واضح للاقتصاد العالمي.

واشنطن وفي بدايات الحرب قررت أن تقدم أوروبا قرباناً للنصر على روسيا عبر حزمة عريضة من العقوبات الاقتصادية التي تضر بالدول الأوروبية أكثر مما تضر بروسيا، وواصلت أمريكا تقديم القرابين لعلها تفتك بالدب الروسي فواصلت تبني حزم العقوبات تباعاً حتى أصبح العالم كله قرباناً للنصر المنتظر.

فما الذي حققته أمريكا حتى اليوم سوى وضع العالم على بداية نفق الكساد العظيم، واشتعال نيران أسعار الغذاء والوقود التي تفتك بغالبية دول العالم، ونقص إمدادات الغذاء وإرهاصات مجاعة قد تضرب الدول الفقيرة كمقدمة لما هو أسوأ، وارتفاع معدلات التضخم في أمريكا وأوروبا لمستويات تاريخية، والأهم من ذلك تقلبات السياسة وتقديم تنازلات كبرى في محاولة للملمة الآثار السلبية التي تفتك بالجميع، وقبل كل ذلك نحر أجندة التغير المناخي جراء نقص الغاز الروسي في أوروبا.

وعلى الطرف الأخر ما الذي حدث في روسيا، فقد استوعبت موسكو العقوبات سريعاً حيث تمكنت من حماية «الروبل» ومن ثم حققت فائضا في ميزانيتها خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بما يزيد عن 260 مليون دولار، ووصلت عائداتها من النفط والغاز والفحم 97 مليار دولار في أول 100 يوم من غزو أوكرانيا، وهذا لا يعني بالضرورة أن موسكو لا تعاني بل أنها قادرة على الصمود وتجريع أوروبا وأمريكا من ذات السم الذي أردوا قتلها به.

واشنطن أرهقت العالم بعنجهيتها، فلم تحسب حساباً أن الوقود والقمح أساس الاقتصاد، وأن موسكو تتحكم بجزء كبير من السلعتين، وأن العالم سيبدأ بالترنح والاقتراب من السقوط كلما طال أمد الحرب، ورغم عملية الضخ الواسع للأسلحة في أوكرانيا إلا أن الأمر لن يصل إلى مرحلة خسارة روسيا الحرب.

النتيجة الحالية لما يحدث تؤكد أن القرم والدونباس خارج إطار أي مفاوضات ستقبل بها روسيا، ويبدو أن العالم (خاصة أوروبا) بات أقرب إلى قبول صفقة ما مع موسكو والضحية اقتصادات العالم النامي وخسارة كييف لشرق أوكرانيا، فما الذي فعلته واشنطن وماذا حققت سوى إدخال الجميع في زوبعة لن تتوقف آثارها مع توقف غبار المعارك؟.

بالمحصلة فما يحدث لا يخرج عن سيناريوهين الأول فشل أمريكا وسقوطها في الفخ الروسي وفقدانها لتوازنها كما فقد رئيسها التوازن وسقط عن دراجته، والثاني أن واشنطن هي مَن أرادت عمداً دفع العالم إلى هذه اللحظة الصعبة لعلها تستطيع تمرير سياسات وصفقات لم تكُن تجرؤ على تنفيذها دون هزة عالمية كبرى. ويبقى السؤال المفتوح هل واشنطن مدركة لما تقوم به أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

الدستور