أوكرانيا، الورقة خاسرة
لم يخطئ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حين وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالذكي، ووصف قادة الغرب بـ”الأغبياء جدا” وفي مقدمتهم جو بايدن الذي اندفع إلى استفزاز روسيا وجرّها إلى حرب دفع ثمنها أعضاءُ الناتو الأوروبيون المُحتاجون إلى غاز روسيا، والشعب الأميركي الذي يعاني من التضخم وارتفاع أسعار المحروقات، فيما تستمر الإدارة الأميركية في صرف مليارات الدولارات من أجل دعم أوكرانيا أملا في هزيمة الرئيس بوتين الذي صرح مؤخرا بكل ثقة في النفس “نحن لم نبدأ بعد”.
في سنة 2014 وعندما اجتاح الروس شبه جزيرة القرم كان الموقف الأميركي متّزنا ولم يذهب إلى حدّ التصعيد أو التهديد بعقوبات اقتصادية؛ لقد حاولت الإدارة الأميركية والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تسبيق باب الحوار والوساطة بين روسيا وأوكرانيا أملا في طي الخلاف قبل أن يتطور ويتهوّر بوتين ويعدل خطته لتصبح اجتياحا كاملا. حينها نجحت الإدارة الأميركية إلى حد ما في تجنيب أوروبا مواجهة اقتصادية مع بوتين سلاحها الأقوى هو الغاز.
ليس هذا فحسب، فقد استطاع ترامب أن يكون أول رئيس أميركي تطأ قدماه أرض كوريا الشمالية، واستطاع أيضا أن يكبح جماح إيران ويعزز من علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج إلى أن وصلت إلى مستوى ممتاز يحقق مصلحة أميركا الاقتصادية ومصلحة دول الخليج التي دفعت المستحقات نظير الخدمة الأميركية التي قدمها ترامب في ما يخص الملف النووي الإيراني، كل هذه المسائل وغيرها تؤكد أنه بالرغم من أن ترامب كان يبدوا ساذجا ويتصرف بجنون إلا أنه كان سياسيا مرنا ينظر إلى الأمور كرجل أعمال.
نحن اليوم أمام حقيقة لا مفر من الإقرار بها وهي دخول أوروبا في نفق مظلم ودفعها لثمن باهظ مقابل لا شيء.. نعم لا شيء. لأن رهان بايدن على ضم أوكرانيا إلى الناتو لم يجلب سوى المصائب، ولم تكن خطوة محسوبة العواقب، أو ربما كانت محسوبة، ولكنها لم تتوقع أن يكون بوتين قد أعد خطة للاستمرار في حربه على المدى الطويل. حرب الخاسر فيها هي أوروبا التي تحتاج غازه ولا تجد من يكفيها شر البرد القارس وشر غضب الشارع الذي سينتفض بوجه الحكومات عندما يشتد الوضع قسوة وعندما يطالبهم الفقراء والمنضمون الجدد لقائمة الفقر بمقايضة أوكرانيا بالغاز لأنها وفي النهاية جزء تاريخي من روسيا الكبرى.
غاصت الولايات المتحدة في الوحل، وغاص اقتصاد الاتحاد الأوروبي كذلك، وها هو اليورو يتساوى مع الدولار لأول مرة منذ 20 سنة، ومن المرجح أن تتراجع في الأيام القادمة.
كل هذا بسبب خطة فاشلة كانت تهدف إلى توريط بوتين، ولكن انقلب السحر على الساحر وأصبحت أوروبا هي المعنية بوقف الحرب أكثر من روسيا. ولا أستبعد أن يصل قادة من الغرب إلى قناعة بأن الاستمرار في العناد أمام الدب الروسي لن يجلب إلا المزيد من المتاعب، ولهذا قد يضطرون إلى تعديل الخطة واستبدال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشخص آخر بإمكانه أن يمثل دور المتمرد على أوروبا والراغب في صلح مع روسيا، بدل أن يعترفوا علنا بأنهم خسروا المعركة ضد بوتين.
مسألة حسم الحرب في يد بوتين وهو يتعمّد إطالة أمدها لتخلف أضرارا اقتصادية إضافية على الأوروبيين، ردا على توسيع حلف الناتو وردا على إدارة بايدن التي تعاملت مع روسيا بمنطق الاستصغار وحاولت أن تهدد أمنها القومي وأن تقترب أكثر من حدودها الغربية في محاولة شبيهة بالتطويق العسكري.
إذا استمر قادة الغرب في التمسّك بالكبرياء في مواجهة بوتين وواصلوا الحديث عن العقوبات وعن عزل روسيا، سيستمرون في حصد النتائج العكسية، وسيستمرون في تقديم الفرصة الذهبية للصين التي تستفيد وبشدة من وضع الاقتصاد العالمي الحالي، خاصة مع انهيار البيتكوين وارتفاع معدلات البطالة والتضخم في الولايات المتحدة، الأمر الذي سيجعلها تحقق مكاسب في ظل المنافسة الاقتصادية الشرسة.
ربما لن يجرؤ القادة الغربيون على قول إن أوكرانيا أصبحت ورقة خاسرة فهل سيبحثون عن صلح مع روسيا أم سيذهبون بشعوبهم وشعوب العالم إلى المجهول؟
العرب اللندنية