البشرية تسير نحو الانقراض بثبات!

تم نشره الأربعاء 20 تمّوز / يوليو 2022 12:37 صباحاً
البشرية تسير نحو الانقراض بثبات!
علي قاسم

البشر يواجهون الانقراض.. إنها نهاية العالم. رغم ذلك نصيخ آذانا صخرية للتحذيرات، ونتجاهل فيض الأرقام التي تقدم لنا يوميا لإثبات ذلك، ونتعامل معها على أنها مجرد رموز لا دلالة لها.

التجاهل لا يقتصر على شعوب العالم الثالث، أوروبا التي تتعرض حاليا لموجة حر غير مسبوق، طالما تعاملت مع الخضر والداعين لحماية البيئة باعتبارهم مجموعة من عشاق الفقر وغريبي الأطوار.

أوروبا، التي اعتادت خلال أشهر الصيف درجات حرارة في حدود العشرينات، تواجه اليوم درجة حرارة وصلت في بعض المناطق الجنوبية من القارة إلى 45 درجة مئوية، وأدت إلى وفاة المئات من الأشخاص وإجلاء الآلاف من منازلهم.

الحرارة المرتفعة ليست وحدها مسؤولة عن ارتفاع عدد الوفيات. الحرارة المنخفضة أيضا تتحمل نصيبها في موت الآلاف سنويا. العلماء اليوم يشيرون إلى درجات الحرارة الشاذة، المرتفعة والمنخفضة، التي تتسبب وفق الإحصاءات بوفاة أكثر من 5 مليون إنسان سنويا على مستوى العالم.

7 مليون إنسان آخر يلقون حتفهم سنويا، بسبب التعرض لجسيمات دقيقة في الهواء الملوث، التي تخترق الرئتين والقلب والأوعية الدموية، وتسبب مختلف الأمراض، مثل السكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض انسداد الشعب الهوائية المزمنة والتهابات الجهاز التنفسي.

هذا هو الجزء الظاهر فقط من التهديدات، وما خفي أعظم. الضرر الذي لا رجعة فيه يلحق بالتنوع البيولوجي للأرض، وهو ضرر يمكن أن يؤدي إلى انقراض البشرية. ونحن نسير إلى هذه النهاية بثبات. وهو ما حذر منه رئيس وكالة البيئة في المملكة المتحدة، التي تعمل تحت إشراف وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية الحكومية.

في دراسة جديدة لها تقول الوكالة “منذ عام 1970 تشهد إنجلترا انخفاضا في أعداد أنواع من النباتات والحيوانات الأصلية بشكل متزايد، حيث بات أكثر من 15 في المئة من تلك الأنواع يواجه خطر الانقراض”.

ووفقا للدراسة التي نشرت تحت عنوان “العمل مع الطبيعة – تقرير مجموعة العلماء الرئيسيين”، فإن ربع الثدييات في إنجلترا يواجه خطر الانقراض.

نحن أقرب من أيّ وقت مضى إلى ضرر في التنوع البيولوجي لا يمكن إصلاحه. وهو ضرر يكفي لينهي الحياة البشرية، ليس فقط النباتات والحيوانات.

“لا شيء يحمينا من الانقراض” كما يقول الرئيس التنفيذي للوكالة البيئية السير جيمس بيفان ما لم ندرك الصلة بين البيئة الطبيعية المزدهرة وتوافر المياه النظيفة والتربة الجيدة وتخزين الكربون اللازم للبقاء على قيد الحياة، فأزمة التنوع البيولوجي كما أشار “لن تقتل النباتات والحيوانات فحسب، بل ستقتلنا أيضا. وهذا لأن الطبيعة غير قابلة للتجزئة ومترابطة”.

ليس أدل على التجاهل الذي تعيره الإنسانية للمخاطر المترتبة على انقراض الأنواع النباتية والحيوانية من إشارة السير بيفان إلى كتاب صادر عام 1962 بعنوان “الربيع الصامت” للكاتبة الأميركية راشيل كارسون، والذي يعزى إليها الفضل في انطلاق حركة حماية البيئية، وهو ما أدى في النهاية إلى حظر على نطاق الولايات المتحدة لمبيد الآفات الزراعية “دي تي تي”.

هذا الكتاب، الذي يسلط الضوء على تدمير النظم البيئية نتيجة الاستخدام المتهور لمبيدات الآفات، سيستخدمه رئيس وكالة البيئة للتفكير في موقف البشرية بعد 60 عاما، خلالها ظل حال البشرية مثل حال شاعرنا امرؤ القيس، الذي اكتفى عندما وصله خبر وفاة والده بالرد بقول ذهب مثلا: “اليوم خمر وغدا أمر”.

مثلما أدمن امرؤ القيس شرب الخمر، أدمنت البشرية الوقود الأحفوري، واكتفت خلال ستين عاما بعقد المؤتمرات والندوات والقمم. عدا ذلك لم تفعل شيئا لمواجهة الكارثة التي لم تعد مجرد احتمال فقط.

الإدمان على النفط والغاز والفحم الحجري عرّته الحرب الأوكرانية. فقد بينت أن العالم ما زال اليوم مدمنا، مثلما كان عليه الحال قبل “الربيع الصامت”. والحديث عن الطاقة البديلة المتجددة لم يصل بعد إلى حد يكفي ليوقف معه العالم حالة الإدمان التي وصل إليها.

المكاسب التي حققتها البشرية نتيجة الابتكارات التكنولوجية المتسارعة، منذ أن اخترعت المحرك البخاري ومن بعده المحرك الانفجاري، كبيرة جدا، لا يمكن أن ننكر أنها ساهمت في جعل حياة البشر أكثر سهولة، وساهمت في تحسين صحتهم وأطالت متوسط أعمارهم.

ولكن كل ذلك تحقق بثمن. ثبت أنه فادح جدا.

عندما نتحدث عن أثر الصناعة في تدمير البيئة تقفز إلى الذهن فورا صناعة السيارات، بينما في واقع الحال هناك صناعات وممارسات يومية تتحمل مسؤولية أكبر عن تدمير النظام البيئي. تأتي ديكورات المنزل على رأس القائمة، فصناعة الأصباغ تعتبر واحدةً من أكثر الصناعات توليداً للنفايات السامة في العالم.

وللأسف لا يقتصر الأمر على صناعة الأصباغ فحسب، إذ تُنتج العديد من الصناعات الأخرى نفايات صناعية تلوث الهواء والماء والتربة في محيط المواقع الصناعية، معرّضةً حياة أكثر من 32 مليون شخص للخطر سنويا.

تلي صناعة الأصباغ خطورة، صناعة المنتجات الإلكترونية، التي نمت مؤخرا بشكل مذهل مع نمو النزعة الاستهلاكية. وتفشل هذه الصناعات عادةً في تلبية معايير السلامة البيئية، كما يسمح الافتقار إلى الرقابة الصارمة لتلك الصناعات بالازدهار.

وتنطوي صناعة الإلكترونيات على استخدام العديد من المواد الكيماوية، بينما تحمل النفايات الصناعية السائلة من تلك المصانع ملوثات مثل: الكروم والرصاص والسيانيد والزئبق والكادميوم وغيرها، تُلوّث البيئة المحيطة بتلك الوحدات الصناعية.

عشاق الطعام البحري يدركون ذلك، حيث أدى تلوث البحار إلى مخاوف من تناول لحوم الأسماك كبيرة الحجم المعرضة لمادة الزئبق.

ولا ننسى بالطبع ما تحدثه عملية تربية الأبقار والمواشي من تلوث في البيئة يفوق ما تحدثه صناعة السيارات.

لقد انتشت البشرية خلال عقود بما قدمته لها التكنولوجيا من منجزات، فانشغلت بمتع يومها عن التفكير بمخاطر غدها، ولسان حالها يقول: اليوم نفط وغدا أمر.

العرب اللندنية



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات