“الفاو”: نضوج استراتيجيات وسياسات الأردن للأمن الغذائي
المدينة نيوز :– قال المدير العام المساعد والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا في منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، عبدالحكيم الواعر، إن القدرة الإنتاجية للغذاء في الأردن ليست قوية لتوفير احتياجاتها، شأنها شأن باقي الدول العربية في استيراد الغذاء الأساسي، وخاصة من الحبوب.
وفي حديثه للتلفزيون الأردني، اليوم السبت، أوضح الواعر أن الحبوب تحتاج إلى أرض كبيرة وقدرة مائية غير متوفرة حاليا في الأردن، ولذلك تشير الجدوى الاقتصادية إلى أن اللجوء للاستيراد أفضل من الإنتاج المحلي، لكن ذلك لا يمنع أن يكون هنالك جزء من الإنتاج المحلي.
ووجد نضوجا في السياسات والاستراتيجيات الأردنية للأمن الغذائي، إضافة إلى بعد نظر ثاقب من قيادته المتمثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني، في معالجة موضوع الأمن الغذائي.
ولفت النظر إلى رفع الأردن لقدرته التخزينية للغذاء والتي تصل إلى 9 أشهر، ما منحها الصمود خلال جائحة كورونا مع تذبذب الأسعار وانقطاع سلاسل الإمداد والتوريد، في ظل أن غالبية الدول لديها قدرة تخزينية قد تصل إلى 6 أشهر في أقصى تقدير.
وأفاد بضرورة التعلم من قصة نجاح دولة (الأردن) قد لا يكون لديها كل المقدرات والإمكانات في مواجهة التحدي الغذائي، في الوقت الذي كانت فيه دول من المنطقة لديها إمكانيات أكبر بكثير لكنها عانت الكثير من انقطاع سلاسل الإمداد خلال جائحة كورونا وأزمة البحر الأسود في الفترة الحالية.
وأشاد بجهود الأردن لمواجهة مثل هذه التحديات الغذائية بشكل ممنهمج ومدورس، منوها بقدرة الأردن الفريدة على استيعاب المهاجرين من سوريا وتوفير كل الإمكانات لهم من إقامة وبنية تحتية ومياه وصرف صحي وطاقة وغذاء، ومعاملتهم معاملة المواطنين.
استراتيجية الأمن الغذائي
وذكر أن أي استراتيجية لا تكون وراءها قيادة ملتزمة بأهدافها، وترى ما يراد تحقيقه من خلالها، فستنتهي هذا الاستراتيجية بالاعتماد والإعلان، ثم ستصل إلى أدراج المكاتب لينتهي دورها.
وأكد أن تنفيذ استراتيجية الأردن للأمن الغذائي يتطلب جرأة وقدرة على الاستمرار في العمل، ورأينا في المرحلة الأولى تشكيل المجلس الأعلى للأمن الغذائي في الأردن برئاسة رئيس الوزراء، وعضوية وزراء وإشراك القطاع الخاص، مشددا على أن الاستراتيجية بحاجة إلى متابعة دقيقة في تنفيذ محاورها الأساسية.
وأضاف “أعتقد أن ما تم عمله في إنتاج الاستراتيجية الأردنية للأمن الغذائي سيوفر أساسا جيدا للمساهمة في تشكيل الاستراتيجية العربية للأمن الغذائي”، متابعا وذلك “على اعتبار أن الأردن هو البلد الأكثر تحديا، وتعامل مع الأسوء الأوضاع في المنطقة العربية”.
وذكر اختلافا بين الاستراتيجية العربية التي تهدف إلى التكامل بين الدول، وبين الاستراتيجيات القطرية التي تهدف إلى استغلال مقدرات وإمكانيات الدولة في داخلها فقط، والتي يجب أن يكون فيها بعدٌ يسمح بالتكامل الإقليمي وإمكانية الاستثمار بناء على الفرصة التنافسية لكل دولة.
“هنالك اختلاف في دولنا العربية في التضاريس، ففي دول المغرب العربي قدرة على استغلال الموارد المائية والأراضي الزراعية، وفي الخليج مناطق جافة وصحراوية ومع القدرة والإمكانية المالية المتاحة هناك مجال كبير جدا للتكامل في ذلك”، على ما ذكره الواعر.
وضرب مثالا بأن “التخزين في الأردن عند اعتدال الجو وجفافه بعيدا عن المناطق البحرية، يعد وسيلة سهلة وآمنة للتخزين لفترات طولية وبكميات كبيرة داخل الأردن لصالح دول عربية أخرى لتستفيد منها وقت الحاجة”.
ومثال آخر بأن “هنالك دول على تقع ممرات تجارية، وبالتالي فيها النقل أسهل بكثير من عديد الدول، ويمكن الاستفادة منها باتفاقية لسلاسة مرور سلع دول عربية أخرى”.
واعتقد أن الاستراتيجية العربية للأمن الغذائي ستركز على التجارة البينية ودعم التعاون بين الدول العربية بشكل كبير.
وبين أنه وإذا وصلنا إلى تكامل غذائي بين الدول العربية، فنحن لسنا بحاجة إلى دعم خارجي، لكننا “ولبداية الحركة والعجلة في هذا الجانب نبقى بحاجة إلى بعض التمويلات الخارجية على الأقل في إعداد الاستراتيجيات الأساسية والخطط”.
وأبدى رغبة شديدة من قبل الممولين لاستراتيجية الأردن والعربية أيضا، لتوفير الموارد الضرورية لبدء التطبيق.
تحديات
وقال: لفهم حجم مشكلة الأمن الغذائي في العالم العربي يجب أن نعي الأزمات والتحديات التي تمر بها المنطقة العربية، في وسط الأزمات والتحديات التي يمر بها العالم.
وبين أن أزمة التغير المناخي طويلة الأمد وبدأت مؤشراتها في الظهور مؤخرا، كما أن آثارها واضحة جدا في الحياة اليومية، وتتمثل بتذبذب المواسم المطرية أو تأخرها أو انقطاعها بشكل كامل، ما يؤثر على قدرتنا في إنتاج الغذاء، حيث إن زراعاتنا تعتمد بشكل كامل على مياه الأمطار.
وعرج على ندرة الموارد المائية، والأردن هي أقل الدول حظا في حصة الفرد من الماء، كما أن المنطقة العربية هي الأقل حظا في حصة الفرد من الماء مقارنة بالعالم، والتي تصل إلى 10% من الحد العالمي.
وأشار إلى التصحر والجفاف وعدم توفر الأراضي الزراعية، والذي خلق ظروفا تشجع الدول على الذهاب إلى بدائل لتوفير الغذاء الأساسي، وبالتالي أصبحت دول المنطقة العربية مستوردة للغذاء بشكل كامل.
وذكر تحديات تتعلق بالتصرفات البشرية تجاه أنفسنا وبعضنا في المنطقة العربية، لافتا النظر إلى الهدر والفاقد في الغذاء، والمرتبطة بالأساليب والأنماط والعادات والتقاليد التي نستعملها في استغلالنا للغذاء.
وأضاف أن الهدر والفاقد في الغذاء بالمنطقة العربية يصل إلى 30% و40% في بعض الدول والمواسم، خلال مراحل الحصاد والتخزين والاستهلاك.
ونوه بأن الغذاء الموجود قد لا يكفي 7 مليارات شخص على الكرة الأرضي رغم أننا في الواقع ننتج ما يكفي لعشر مليارات، لكننا نهدر منها جزءا كبيرا، وبالتالي نحتاج إلى السياسات والتقنين والالتزام على المستويات الشخصية والعائلة والتجمعات في العودة إلى عاداتنا القديمة بالمحافظة على الغذاء كقيمة إضافية كبيرة جدا في حياتنا اليومية.
وبين أن السياسات المتبعة في العالم العربي والمختصة بدعم الغذاء ساهمت في الإفراط باستخدام بعض السلع الغذائية الأساسية.
حلول
وأكد أن التحديات الغذائية متشعبة ومعقدة في معالجتها، ولكن من المهم أن نرسم خارطة تنفذ على مراحل من خلال استراتيجيات ثابتة تحدد لنا الخطوات المقبلة للتعامل مع التحديات الغذائية القائمة.
وشدد على المنطقة العربية تحتاج إلى النظر في إمكانية الإنتاج المحلي على بعد إقليمي موسع، مشيرا إلى محاولات الدول العربية في تحقيق التكامل الإقليمي والاقتصادي، إضافة إلى القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية، والتي منها ما أنجز ومنها ما ألغي إنجازه.
ودعا إلى التعجيل بتحقيق التكامل الغذائي في المنطقة العربية لفتح فرص التعاون، مستشهدا باتفاقية وقعت بين المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية فيما يتعلق بالتبادل التجاري، وخاصة تبادل المخزون من الحبوب والتكامل في ذلك، واصفا إياها بالخطوة الجيدة نحو التكامل الإقليمي.
“وسبق ذلك اتفاقية بين الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر على ذات السياق”، وفق الواعر الذي لفت إلى أن بعض المبادرات حتى لو كانت على مستوى ثنائي أو ثلاثي قد تخلق نوعا من بداية الحماس لالتحاق الآخرين بهذه المبادرات.
وتحدث عن أن المنطقة العربية أصبحت الأكثر ارتباطا مع دول البحر الأسود، حيث شكلت تلك الدول بديلا جيدا لتوفير الغذاء باعتبار قربها الجغرافي وسهولة النقل وتوافق مواسمها الإنتاجية مع احتياجات الغذاء في المنطقة العربية.