الدور الحاسم للفلسطينيين في إسرائيل في الانتخابات المقبلة
هل حانت فرصة أن تلعب الأقلية الفلسطينية العربية في إسرائيل، حاملي بطاقة الهوية الإسرائيلية، دورا حاسما في رسم السياسة الإسرائيلية، لما فيه مصالحها، أولا، ومصالح الجماهير الفلسطينية في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، في أراضي الدولة الفلسطينية المستباحة في الضفة الغربية، (والقدس العربية منها)، وقطاع غزة المحاصَر، ثانيا، ومصالح وحياة ومستقبل الفلسطينيين في دول اللجوء والشتات؟.
جوابي على هذا التساؤل: نعم، بل نعم كبيرة.
كيف ذلك؟ ولماذا الآن، في هذه الفترة الزمنية المحددة بعشرة أسابيع فقط من يومنا هذا، وتنتهي يوم الانتخابات العامة المقبلة في إسرائيل، في الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟ الجواب هنا يستدعي شرحا وتفصيلا. ولهذا الشرح والتفصيل، خصصت الجزء الأول من هذا المقال.
أبدأ من شرح الظروف المثالية الحالية الملائمة، (وإن تكن هذه الظروف قد توافرت وساقتها التطورات، بفعل أوضاع إسرائيل الداخلية، وليس بفعل أداء فلسطيني عبقري، لا من “فلسطينيي الداخل”، ولا من “فلسطينيي داخل الداخل”، ولا من “فلسطينيي دول اللجوء والشتات” طبعا):
1ـ عشرة أسابيع تفصلنا عن الجولة الخامسة للانتخابات العامة في إسرائيل، خلال أقل من أربع سنوات. هذا المسلسل دليل واضح على ارتباك الأوضاع السياسية في إسرائيل، وعلى انقسامات وشروخ في تركيبة المجتمع، وعجز النخب الإسرائيلية كافة: الفكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، من التوصل الى توافق ما حول كيفية إدارة شؤون إسرائيل والإسرائيليين، ككيان سياسي، وكأفراد ومجموعات من منابت وأصول وجذور متعددة، ومن خلفيات أيديولوجية مختلفة أحيانا، ومتناقضة في أحايين أكثر.
2ـ في كل الانتخابات العامة الثلاث الأخيرة في إسرائيل، (في هذا المسلسل)، تساوى، الى حد بعيد جدا، المعسكران المتنافسان: معسكر اليمين الصهيوني العنصري المتطرف، (بأحزابه المتعددة)، والمعسكر الصهيوني شبه الليبرالي المعتدل، (بأحزابه المتعددة أيضا). وكانت هناك صعوبة بالغة، في تشكيل ائتلاف حكومي متماسك.
في محاولة للإحاطة ولفهم مجريات الأوضاع في إسرائيل، على ضوء ما أسفرت عنه الحلقات الأربع الأخيرة في مسلسل الانتخابات في إسرائيل، واستيعاب الدروس والعِبَر منها، ومحاولة استقراء ما يمكن أن تحمله نتائج الحلقة الخامسة المقبلة في هذا المسلسل، يجدر بنا أن نسجل ملاحظاتنا في بابين اثنين: الشارع اليهودي في إسرائيل، والشارع الفلسطيني العربي هناك:
أـ في الشارع اليهودي:
على مدى الحلقات الأربع الأخيرة في مسلسل الانتخابات العامة في إسرائيل في السنوات الأربع الماضية، تعادلت، (الى حد بعيد)، كتلة اليمين الصهيوني العنصري المتطرف، المتحالفة مع الحزبين الدينيين لليهود المتزمتين (الحريديم)، بزعامة نتنياهو، مع كتلة أحزاب الوسط واليسار الصهيوني، (بالمقاييس الإسرائيلية)، بقيادة يائير لبيد مرة، وبيني غانتس مرة أخرى، وساد الفشل في تشكيل حكومة مستقرة.
ب ـ في الشارع الفلسطيني العربي في إسرائيل:
1ـ نظرة سريعة على عدد المقاعد التي أحرزتها القوائم الانتخابية في الكنيست، في دوراته المتعاقبة، تُظهِر لنا حقيقتين: الأولى، هي أن خوض الانتخابات بقائمة مشتركة تحرز مقاعد أكثر من مجموع ما تحرزه الأحزاب مجتمعة لو خاضت تلك الأحزاب الانتخابات بقوائم متعددة. أما الحقيقة الثانية، فهي أنه عندما تخوض القائمة العربية المشتركة معركة الانتخابات بجرأة وذكاء وحكمة، وترفع شعارات ملائمة تتناسب مع طموحات جماهيرها العربية، فإن هذه الجماهير تلبي نداءات أحزابها، وتشارك بنسبة أعلى وتمارس حقها في الاقتراع، ويصبح التمثيل العربي في الكنيست رقما صعبا لا تستطيع الأحزاب الصهيونية تجاوزه، وتصبح الكتلة العربية في الكنيست “بيضة القبان”، وهي التي تقرر أيا من الكتلتين اليهوديتين الصهيونيتين تفوز في تشكيل الحكومة ونيل ثقة الأغلبية في الكنيست.
في الكنيست الـ19 أحرزت الأحزاب العربية 11 مقعدا: الجبهة 4 مقاعد، القائمة العربية الموحدة والحركة العربية للتغيير 4 مقاعد، وحزب التجمع 3 مقاعد؛ أما في الكنيست الـ20 فقد تم تشكيل القائمة العربية المشتركة، التي شملت الأحزاب الأربعة المذكورة، فنالت هذه القائمة 13 مقعدا؛ لكن في الانتخابات للكنيست الـ21 تنافس الأحزاب العربية في قائمتين: الجبهة والحركة العربية للتغيير في قائمة انتخابية واحدة وأحرزت 6 مقاعد، والقائمة العربية الموحدة وحزب التجمع في قائمة ثانية أحرزت 4 مقاعد، وهكذا تراجع عدد مقاعد الأحزاب العربية الى 10 مقاعد فقط؛ ثم في الانتخابات للكنيست الـ22 خاضت الأحزاب العربية الأربعة في القائمة المشتركة، وأحرزت من جديد 13 مقعدا؛ تلت ذلك الانتخابات للكنيست الـ23، وخاضتها جميع الأحزاب العربية من جديد في “القائمة المشتركة” وأحرزت 15 مقعدا، واصبحت هي الكتلة الثالثة من حيث الحجم في الكنيست؛ لكن ما حصل في الانتخابات التالية، للكنيست الـ24 الحالية، أنه تم خوضها بقائمتين عربيتين متنافستين: “القائمة العربية المشتركة” برئاسة أيمن عودة، و”القائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عباس، وكانت النتيجة خسارة فادحة، حيث أحرزت المشتركة 6 مقاعد، وأحرزت الموحدة 4 مقاعد، وبذلك انخفض عدد مقاعد الأحزاب العربية من 15 مقعدا الى 10 مقاعد فقط).
خوض الانتخابات بقائمة مشتركة تحرز مقاعد أكثر من مجموع ما تحرزه الأحزاب مجتمعة لو خاضت تلك الأحزاب الانتخابات بقوائم متعددة
تم إحراز القائمة المشتركة لـ15 مقعدا في الكنيست نتيجة مباشرة لما قاله أيمن عودة عشية انتخابات الكنيست الـ23، في مقابلة أجراها معه ناحوم برنِياع، (الأول بين كتاب ومعلقي وصحافيي جريدة “يديعوت أحرونوت”)، يوم 23 آب/ أغسطس 2019، أي قبل ثلاثة أسابيع فقط من الانتخابات التي جرت يوم 17 ايلول/سبتمبر، قال: “لا نستطيع وحدنا، (كأقلية وطنية فلسطينية عربية في إسرائيل)، تغيير ما هو قائم، وإسقاط الحكومة الإسرائيلية المغرقة اليمينية والعنصرية، ولكن لا يمكن (للأحزاب الصهيونية الأقل يمينية وعنصرية، والأكثر ليبرالية) بدوننا”. وقال أيمن في تلك المقابلة، البالغة الأهمية، ردا على سؤال برنياع ما معناه: نعم، نريد نحن العرب الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل أن نشارك في رسم ووضع السياسة الإسرائيلية. هذا هو حق هذه الجماهير الفلسطينية العربية في إسرائيل، هذا دورهم، هذا واجبهم تجاه أنفسهم، وتجاه كل أبناء شعبهم الفلسطيني، واجبهم في تحويل بطاقة الهوية الإسرائيلية التي يحملونها الى أداة وسلاح في معركتهم ضد التمييز الذي يعانون منه، وضد الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي الذي يعاني منه أبناء شعبهم الفلسطيني.
هذا التوجه الوطني الفلسطيني العاقل والجريء، أثمر بنقل أعضاء الأحزاب العربية في الكنيست الإسرائيلي، لأول مرة منذ عام النكبة الفلسطينية، (مع استثناء إقدام توفيق زياد وعبد الوهاب دراوشة، تأمين “شبكة أمان” لحكومة رابين لتمرير اتفاقية أوسلو)، من “مقاعد المتفرجين” الى “مقاعد لاعبي الاحتياط”.
على أن ما تلا ذلك لم يكن تطبيقا ذكيا وطنيا ملتزما، حيث أقدمت “القائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عباس، على دخول الائتلاف الحكومي الذي أنجبته انتخابات الكنيست الـ24 الحالية. ولهذا حديث يطول، قد يكون موضوعا لمقال لاحق.
على أن الأهم في هذه الأيام، وفي هذه الأسابيع العشرة التي تفصلنا عن يوم انتخابات الكنيست الـ25 المقبلة، هو الرد على السؤال الجوهري الذي يحسم الى حد بالغ مسألة قدرة الأقلية الوطنية الفلسطينية العربية في إسرائيل، على المساهمة في رسم السياسة الإسرائيلية، وتوجيهها لما فيه مصلحة الجماهير الفلسطينية في إسرائيل، وجميع أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن وفي دول اللجوء والشتات، دون أن يعني ذلك إعفاء أي فلسطيني حيثما كان من القيام بواجبه النضالي المشروع لتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية العليا.
من الحقائق المهمة ذات العلاقة بما نحن بصدده، هو ان الأقلية الوطنية الفلسطينية في إسرائيل، والتي تعد نحو مليوني نسمة، وتشكل نحو 21% من تعداد السكان في إسرائيل، وتملك نحو 17% من أصحاب حق الاقتراع، مستنكفة في هذه الأيام، (كما تشير كل الدلائل)، عن المشاركة وممارسة حقها في الاقتراع، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على دورهم في التأثير والمساهمة في رسم ووضع السياسة الإسرائيلية.
هذا يستدعي تبني سياسة خوض الانتخابات المقبلة في إسرائيل، بعقلية مختلفة تشجع وتدفع الجماهير الفلسطينية في إسرائيل الى المشاركة والتدافع نحو صناديق الاقتراع.
اقتراحي، (بكلمات قليلة)، هو تبني القائمة المشتركة لموضوع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في إسرائيل، وهم نحو 35% من الفلسطينيين في إسرائيل، في العودة الى بيوتهم وقراهم، (حيث أمكن)، أو التعويض عليهم، (حيث تتعذر عودتهم)، بموجب برنامج محدد، (يمتد على مدى العقدين أو العقود الثلاثة المقبلة)، يحقق هذا الهدف المنطقي المشروع، ولا يخل بِبعبع “الخطر الديموغرافي” الذي تتوافق الغالبية بين اليهود في إسرائيل على التخوف منه.
رفع هذا الشعار، وتبني هذا الهدف المشروع، كفيل، في اعتقادي، برفع نسبة ممارسة الجماهير الفلسطينية في إسرائيل لحقها في الاقتراع من نحو 45% ، كما تقول الاستطلاعات المعلَنة، الى ما يقارب الـ70% أو ربما ما يزيد، مع كل ما يترتب على ذلك.
* كاتب فلسطيني- القدس العربي