«ليز تراس».. هل تكون «سيدة حديدية» ثانية؟
يوم الثلاثاء الماضي، 6 سبتمبر، وجهت ملكةُ بريطانيا إليزابيث الدعوةَ إلى «ليز تراس» بغية تشكيل حكومة جديدة عقب استقالة بوريس جونسون، لتصبح بذلك الشخصية الخامسة عشرة التي تشغل منصب رئاسة الوزراء في عهد الملكة. وكانت «تراس» وزيرةً للخارجية في حكومة جونسون وحازت دعم أعضاء حزب المحافظين بعد معركة محتدمة على زعامة الحزب دامت شهرين. وهي المرأة الثالثة التي تتولى منصب رئاسة الوزراء عقب زميلتين محافظتين هما مارغريت تاتشر وتيريزا ماي. وبالمقابل، لم يسبق لحزب العمال أبدا انتخاب امرأة في منصب الزعامة.
«تراس» (47 عاماً) لديها مسار مهني مختلط وسيُحكم على أدائها بالمقارنة مع بوريس جونسون، الذي كان شخصاً يفتقر للنظام ولا يقول الحقيقةَ، ولكنه كان يتميز بجاذبية مشاغبة وببراعة في الخطاب. وكان جونسون ومحافظوه قد فازوا بأغلبية ساحقة في البرلمان في انتخابات 2019 العامة، وهو فوز يُعزى بشكل رئيسي إلى الأداء الضعيف لزعيم حزب العمال جيريمي كوربن، الذي كان شعبوياً من أقصى اليسار، ولم يكن صديقاً لأميركا، وكان معادياً لـ«الناتو».
في شبابها كانت «تراس» جمهوريةً ترغب في استبدال النظام الملكي، كما كانت داعمةً بشدة لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. لكن حينما صوّتت أغلبية البريطانيين لصالح خيار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، أصبحت «تراس» داعمةً قويةً لـ«بريكسيت» وظلت وفيةً لبوريس جونسون حتى نهاية فترته في مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت.
أول خطاب عام لتراس كرئيسة للوزراء تناول الأزمةَ الاقتصادية التي تواجه بريطانيا، بما في ذلك نقص الطاقة وأعلى معدل تضخم بين اقتصادات مجموعة السبع الكبار، والتهديد الذي تطرحه حرب أوكرانيا، والقلق العام الكبير بشأن مشاكل النظام الصحي الوطني وكلفته. وفي كلمتها، ركزت تراس على هذه الموضوعات باعتبارها أولويات، وقالت: «سوف أجعل بريطانيا تعمل من جديد». وهو وعدٌ تعتزم الوفاء به من خلال خفض الضرائب، وسنّ إصلاحات مالية، وزيادة الاستثمار في القطاعات التي تحقق النمو. وتعهدت تراس بأن تتعاطى مع أزمة الطاقة «التي سببتها حرب أوكرانيا»، وأن «تحرص على ألا يواجه الناس فواتير طاقة باهظة». وقالت إنها ستضع الخدمات الصحية على قدم المساواة و«ستحرص على أن يستطيع الناس الحصولَ على مواعيد الأطباء».
ولا شك في أن هذه أهداف جديرة بالإشادة، إلا أنه سيتعين على تراس توفير تفاصيل أكثر من أجل تهدئة الغضب المتزايد في البلاد. كما أنه لا شك في أن مسألة ما إن كانت ستستطيع إحداث تغييرات عملية تؤثّر على الحياة اليومية للناس قبل حلول الشتاء تمثِّل تحدياً صعباً. ومما يزيد من صعوبته أنها لم تكن سياسية ذات شعبية، خاصة داخل حزبها ومع الجمهور. كما أنها كانت تُنتقد على نطاق واسع في أوروبا بسبب تصريحاتها الصريحة التي يعاب عليها فيها عدم مراعاة الحساسيات الموجودة في كثير من الأحيان.
تحتاج «تراس» إلى إثبات نفسها بسرعة مع حكومة جديدة تتصف بالدينامية. ولأول مرة في التاريخ البريطاني، لن تؤول المناصب الحكومية العليا، بما في ذلك مناصب رئيس الوزراء ووزير الخزانة ووزير الخارجية ووزير الداخلية، إلى ذكور بيض. وهذا تطورٌ لافتٌ بالنسبة لبريطانيا. غير أنه إذا لم تنجح إصلاحاتها الموعودة، فستواجه «تراس» معارضةً قويةً من داخل حزبها ومن خارجه، ولديها الآن عامان فقط لكي تثبت نفسَها قبل أن تخوض انتخابات عامة إلزامية في عام 2024.
تقول «تراس»، إنها تريد السَّيرَ على خطى مارغريت تاتشر، التي عملت مع ميخائيل غورباتشوف ورونالد ريغان والبابا جون بول الثاني من أجل إنهاء الحرب الباردة، وخاضت معركةً قوية مع الاتحادات العمالية وأصبحت واحدةً من أكثر رؤساء الوزراء إثارةً للجدل في بريطانيا. غير أنه من غير المعروف ما إن كانت «ليز تراس» تستطيع مضاهاة حزم تاتشر والتعاملَ مع ردور الفعل الغاضبة التي لا مفر منها والتي ستواجهها في عصر وسائل التواصل الاجتماعي في حال دعت إلى إصلاحات واسعة ومثيرة للجدل!
فهل تمتلك الشخصية والمهارات اللازمة لتكون «سيدة حديدية» ثانية؟
الاتحاد الإماراتية