الحاجة أم الانشطار!
ترتفع درجة الحرارة على الجبهة الروسية الأوكرانية هذه الأيام، في حرب حملت في طياتها الكثير من التحديات. الروس يواجهون خصومهم بالسلاح المباشر، بينما حلفاء كييف يواجهون الروس بالأوكرانيين أنفسهم. منظومة صواريخ من هنا وطائرات مسيرة من هناك، والقائمة تطول من صنوف السلاح التي تزود فيها كييف لتخوض حرباً بالوكالة ضد الدب الروسي، الذي يخشى خصومه مخالبه القوية، فيوكلون لكييف مهمة القتال، بينما يوظفون أسلحتهم لرفع عتب أوكرانيا عنهم، مقابل عدم جرهم إلى مواجهة مباشرة مع موسكو.
ومع استطالة أمد الحرب بات استهداف المحطات النووية جزءا من المعركة، في ما ينذر بتكرار كارثة تشرنوبيل في أي لحظة. لكن هذا الاستهداف لا يمثل مربع الفعل النووي فقط، فأوروبا الخائفة من برد الشتاء بدأت هي الأخرى تفكر بإعادة إنعاش محطاتها النووية المتهالكة، والمستبعدة من الخدمة بغرض توليد الطاقة الكهربائية من جديد، تعويضاً للنقص المتوقع جراء توقف خطوط الغاز المقبل من روسيا، عبر خطوط «النورديك 1» والنورديك 2».
وفي خضم هذا التيه تعود إسرائيل لتكثف جهودها في مقارعة الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، مذكرة أمريكا وأوروبا وكل المستسلمين لإملاءاتها، بمشروع إيران النووي وطموح الأخيرة تجاه صناعة القنبلة النووية، ونوايا طهران الدفينة في تهديد أمن دولة الاحتلال، كما تزعم تل أبيب، فترد طهران على الإسرائيليين بالقول: وكأنكم تنتجون قنابلكم النووية وصواريخكم الفتاكة لأغراضٍ إنسانية آدمية أصلاً! إذن «البعبع» النووي يعود للميدان من جديد بعد عقود طويلة من مناهضة البشرية لمفاهيم التخصيب النووي وآثاره الكارثية، وما تبع ذلك من احتجاجات غاضبة، ومظاهرات واجتماعات واتفاقات ومعاهدات، قادت لولادة مفهوم «التسريح» والقائمة على إخراج محطات توليد الطاقة النووية في بعض دول العالم، خاصة الأوروبية من الخدمة، وبدء مرحلة الطلاق مع الطاقة النووية. ورغم القناعة الكبيرة بأن أياً من الدول التي أوقفت محطات الطاقة النووية لم توقف برنامجها العسكري النووي، فإن البعض الساذج قد اقتنع بأن دولاً بأسرها قد تحولت بين عشية وضحاها إلى حمامة سلام، تنازلت من خلالها عن مشروعها النووي. ومع هذا الصخب تصاعد المد والجزر في معركة مقارعة الدول الراغبة في تطوير مشروعها النووي، في لعبة سخيفة وتبادل للأدوار، شهد قيام دول غربية ببيع إجزاء من مكونات المفاعلات النووية، واستحداث الخطوات الأولية لمشروع التخصيب النووي، لتقوم دول غربية أخرى بتدميرها، واحتلال الدول وإطلاق مشاريع الإعمار المجيرة لصالح خزائن المحتل الجديد، أي أحدهم يبني وأحدهم يقصف ويحتل ويجمع الغنائم. العراق كان العنوان الفاقع الأهم في هذه المعادلة السخيفة، لكن عناوين أخرى ذهبت وأسرارها مع الريح. أهلا وسهلاً بكم إذن في كوكبنا المجنون الذي يعود طوعاً، ودونما أدنى مقاومة إلى عوالم الانشطار والاندماج والمفاعلات والذرة والتخصيب واليورانيوم وغيرها من مصطلحات ألفناها ذات يوم. عالم يعود نحو الطاقة النووية بخطى متسارعة، لنعود وأياكم إلى أيامٍ لم تفكر فيها الدول بالبيئة ولا بحمايتها ولا صيانتها ولا حتى الرفق بها!
القدس العربي