هل سيحارب مقاتلون أردنيون مع موسكو؟
نشرت احد المواقع الاردنية تقريرا لافتا للانتباه، يقول إن عشرات الأردنيين أبدوا استعدادهم للانضمام للجيش الروسي، بعدما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتسهيل الحصول على الجنسية الروسية للراغبين بالانضمام للجيش، وجاء التعبير عن مواقفهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي نشرت هذه التعبيرات ما بين تلك الجادة وتلك الساخرة.
شخصيا، قد لا أصدق أن أحدا سيذهب لخوض الحرب الروسية ضد أوكرانيا، والغرب، حتى لو كانت الجائزة جنسية روسية، وبضعة دنانير شهريا يتم دفعها بالروبل!.
لكن التقرير لافت للانتباه، لأنه يعبر عن حالة يأس واستعصاء، وحين تقرأ نماذج من التعليقات المنشورة تشعر بصدمة، فالبعض يقول لك إنه ميت في الأردن، أصلا، فما هو الفرق لو مات في اوكرانيا، والبعض يقول لك إن هناك فرصة للنجاة فلماذا لا يجرب حظه، والبعض ايضا تعامل مع الأمر باعتباره مجرد فرصة عمل في ظل البطالة التي تعصف بهذه البلاد، وسأل آخرون عن طريقة التقديم، وكيف يمكن إبراق الطلبات، ولم يخل الأمر من تهكم من جانب البعض، الذي اعتبر أن هناك ضرورة لمحاربة الغرب في كل مكان.
قد لا يأخذ بعض المحللين هذه التعليقات على محمل الجد، لكننا بالمناسبة شهدنا في بعض الحالات اضطرارا من جانب شعوب مختلفة للتورط في حروب ليس لهم علاقة بها مباشرة، بسبب الاغراءات المالية، او الاضطرار، او من باب خوض تجربة جديدة، وليس أدل على ذلك من أن الروس والأوكران معاً، لديهم مقاتلون من جنسيات مختلفة، أوروبية وغير أوروبية.
لكن القراءة العميقة للتقرير، وردود الفعل تقول شيئا ثانيا، لا يمكن نكرانه، أي وصول الناس إلى حالة استعصاء كبيرة، في ظل عدم وجود حلول اقتصادية داخلية، ولم يبق أمام الناس إلا العنوان الوحيد، أي الهجرة، سواء الهجرة العادية، او حتى التعبير عن الاستعداد للقتال إلى جانب الروس، في معركة ليست معركتنا أصلا، ويدفع الأبرياء في البلدين ثمنها.
حتى لو أعلن الروس عن آليات محددة لقبول مقاتلين، فأنا استبعد ان يغامر كثيرون بحياتهم، في معارك غير مقدسة أصلا، وفي معارك تحرق الأخضر واليابس، ويتكبد الابرياء كلفتها في البلدين، فيما يرد البعض هنا أننا وجدنا مقاتلين من دول عربية واسلامية، ذهبوا للقتال في دول مختلفة، في ظل عناوين عقائدية، او قومية، او دينية، مثل العراق، وسورية، ولبنان، وفلسطين، وغير ذلك من دول، دون ان ننسى هنا، أن المقارنة غير جائزة اصلا، لان التورط في الحرب الروسية الأوكرانية، ارتزاق بشكل مباشر، لا يمكن تغطيته بأي عنوان ديني او قومي، او فكري، فهو تجنيد مقابل المال والجنسية، ولا شيء غير ذلك.
في حالات كثيرة لا يجوز تكبير كل قصة، لكن الاختناق وصل اعلى درجاته، وربما يتوجب فتح العين على هكذا قصة، مع قناعتي اننا لن نشهد مشاركة اردنية في هذه الحرب التي لا يعرف أحد إلى أين سيصل مداها نهاية المطاف فهي محرقة مفتوحة، ومتعددة السيناريوهات.
الدول التي لديها عقل وازن تحلل ردود الفعل، ولا يمكن الاستخفاف حتى بالتعليقات الساخرة، او المتهكمة، حيث يمكن قراءة تحولات كثيرة، تقول إن الإنسان حين يصبح يائسا، سيفعل أي شيء، إن لم يكن في الحرب الروسية الأوكرانية، فبالتأكيد بطريقة ثانية، في موقع ثان، أو تحت عنوان مختلف، أو مع جهة أو مجموعة ذات لون سياسي آخر، فوق احتمالات الغضب والعنف، على المستوى الداخلي في أي بلد يعاني من ظروفه الاقتصادية.
تبقى القصة محدودة حتى لا يتم تعميمها على شعب بأكمله لديه معاييره الأخلاقية، دون أن نتجاوز الحقيقة التي تقول إن اليأس قد يدفع الإنسان لخيارات لا يتوقعها أحد.
الغد