الانتخابات الإسرائيلية برائحة الدم الفلسطيني
بعدما دخل الرئيس السوري الراحل فارس الخوري إلى مقر الأمم المتحدة، قبيل استقلال سوريا بشهور معدودة لمناقشة ملف بلاده واستقلالها، اتجه صوب مقعد المندوب الفرنسي وجلس فيه نحو خمس وعشرين دقيقة، مما أثار حفيظة وغضب السفير الفرنسي في الأمم المتحدة. وقد حاول المندوب الفرنسي إقناع خوري إن “هذا المكان لي وأنت مكانك هناك”، لكنه فشل. وفي الوقت ذاته كان خوري يراقب الوقت حتى انقضى ربع ساعة من الزمن، وسرعان ما تدخل سفراء دول العالم لدرء مشكلة قد تحدث بين خوري والمندوب الفرنسي خصوصا عندما حاول السفير الفرنسي أن يعتدي جسديا على خوري. وبعد انتهاء المدة وقف فارس خوري وقال كلماته المعروفة للمندوب الفرنسي “لقد تحملنا سفالة جنودك عقدين ونيّف وآن لنا أن نستقل كبقية دول العالم”.
ألم تشر ساعة الوقت اليوم قبل غد لاستقلال فلسطين؟ متى يعلن العالم من منابر هيئة الأمم التي تكيل بألف مكيال وتقولها مدوية كفى سفكاً للدم الفلسطيني؟ متى يقرع جرس العودة، وينهي معاناة ملايين اللاجئين الفلسطيني في العالم؟ أسئلة كثيرة ملحة ينتظر أصحابها إجابات شافية، ما زلنا ننتظر ونسترق السمع.
شجب واستنكار فقط
لقد تحمل الشعب الفلسطيني كثيرا سفالة جنود الاحتلال وبطشهم وآلة القتل واعتداءات المستوطنين واستباحة المقدسات وقتل الأطفال والشيوخ والنساء وحتى الشجر اجتثه المستوطنون من فوق الأرض ومن تحتها.
منذ أكثر من سبعة عقود لم نسمع إلا ضجيجا مزعجا لا يحمل بشرى طيبة من خلف البحار والمحيطات واليابسة، وما زالت الجغرافيا الفلسطينية تصرخ وتصيح ولكن لا مجيب. لم نسمع سوى الأسطوانة المشروخة الشجب والاستنكار. إن ما يحدث في جنين ونابلس والخليل وغزة من استباحة الأماكن والبشر والشجر يدلل على أن إسرائيل ماضية في سبيل قلب الديموغرافيا لصالحها، وذلك مقدمة لترحيل الشعب الفلسطيني من خلال التضيق عليه ومحاربته بأحدث الأسلحة فتصريحات المستوى العسكري في إسرائيل هذه الأيام يستشف منها أن الحرب على جنين ونابلس هو تقويض الشعب الفلسطيني، وإفهام العالم أن السلطة الفلسطينية عاجزة عن مواجهة المقاومة. هذا النهج السياسي الإسرائيلي له مدلولات كثيرة منها الصراع الانتخابي للكنيست بعد أيام قليلة، وتحويل أنظار العالم عن ما تقوم به من بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي، ومحاولة تفريغ الضفة الغربية من سكانها الأصليين.
يبدو الواقع السياسي للحكم الذاتي الفلسطيني، حسب الرؤية الصهيونية، اختزل في التالي: الحقوق اليهودية في فلسطين مطلقة، أما الحقوق الفلسطينية فليست أصلية. بمعنى آخر الحكم الذاتي، حسب ما يراه الاحتلال، هو حكم للشعب وليس الأرض، وهذا المنطق يقودنا إلى الصورة والمشهد اليومي لما يجري في الضفة الغربية من اجتياحات ودخول جنود الاحتلال غير المبرر مدججين بأسلحتهم الثقيلة، وبحجج واهية كاذبة لمطاردة شبان بدعوى مطلوبين أمنيا، مع إعطاء السلطة هامشا وهو إدارة المؤسسات المدنية والشرطية في الضفة الغربية.
إن أشكال العنف الإسرائيلية هو رفض قبول الواقع والتاريخ العربي والإسلامي، وهو إلغاء الآخر، بهذه السياسة الخبيثة. نحن في صراع طويل مع المحتل، فهي حرب لها ألوان متنوعة منها الحرب السياسية والاقتصادية والدينية التوراتية، وهي أخطر أنواع الحروب التي يشنها علينا اليمين المتطرف في إسرائيل، فالشعب الفلسطيني حسب التلمود والتوراة المحرفة يتموضع خارج دائرة القداسة المكانية والزمانية، بمعنى إن الصهيونية هي وريثة الطبقة الحلولية اليهودية فهي تجعل اليهود شعبا عضويا خاصة في الأرض (ارتس يسرائيل) أي فلسطين، فالعنف حسب فكر الحركة الصهيونية، التي تقود إسرائيل منذ النشأة الأولى حتى اليوم، هو أحد الأركان الأساسية للإدراك الصهيوني.
يقول فلاديمير جابوتنسكي مؤسسة الصهيونية التصحيحية إننا لم نرث القوة والبطش من النازيين، وإنما نزلت التوراة والسيف من السماء، وقد تبعه بذلك تلميذه مناحيم بيجن في تأكيده على أهمية السيف باعتباره محركا للتاريخ، إذ يقول “إن التقدم في تاريخ العالم ليس السلام بل السيف”، هذا الفكر المشبع بالجابوتنسكية والنتشوية يوضح لنا المعركة مع الاحتلال ما هي إلا حرب ضروس طويلة الأجل.
إن خطاب يائير لابيد رئيس وزراء إسرائيل في هيئة الأمم المتحدة الذي نادى فيه بحل الدولتين هو مجرد ضحك على ذقون العالم، واستغلال الوقت لدعايته الانتخابية، فمنبر الأمم المتحدة ثبت للقاصي والداني منبر يحاكي المطلب الإسرائيلي، فيتسلقه قادة إسرائيل ليستغلوه في تمرير سياستهم وخبثهم على العالم.
ذر الرماد في العيون
لا شك أن تصريحات لابيد سوى ذر الرماد في العيون، وهو كلام مفكك وغير معقول، ولا معنى له، فهو يقول دولتان مقابل نزع السلاح، كان هنالك طرح دولتين منذ توقيع أوسلو وما زال، ولم نر دولة، كما قالها شارون مقترح الورقة العربية لتسوية القضية الفلسطينية مقابل التطبيع لا تساوي الحبر الذي كتب به. وأيضا صدح بها شامير في مؤتمر مدريد للسلام سوف نمد أمد المفاوضات لعشرين سنة مقبلة، هذا هو الديدن الصهيوني في التعامل مع القضية الفلسطينية ولا تحوّل عن ذلك.
مع كل هذه الغطرسة والجبروت الصهيوني ضد شعب أعزل، سيبقى الشعب الفلسطيني مرابطا على أرضه كعقيدة أولا، وكانتماء سياسي ومكاني وزماني ثانيا، لا يضره من خالفه حتى يأتي أمر الله وهم كذلك فلا المخرز يخدش يده ولا ضربات السيوف تنال منه بحول الله وقوته.
القدس العربي