قبر النبي يوسف أم الشيخ يوسف دويكات
بكل خبث ، يصر الاسرائيليون على أن المكان المعروف بـ " قبر يوسف " الموجود شرق نابلس بالقرب من تل ومخيم بلاطة ، هو قبر النبي يوسف بن يعقوب ، ومنذ احتلال الضفة في العام 1967 والصهاينة يروجون أنه قبر يخصهم وأن الفلسطينيين يحتلون مقاما يهوديا مقدسا ، مع أن يوسف عليه السلام لا علاقة له أصلا باليهود واليهودية .
ولو نفضنا الوثائق التاريخية ، فإننا لن نجد ابدا شيئا اسمه " قبر النبي يوسف " في هذا المكان ولا في أي مكان في فلسطين ، وهذه قضية تسجل عمق النظرة الصهيونية للمكان وفي نفس الوقت سذاجة العرب والفلسطينيين في التعاطي مع هكذا ملف .
ونقول : " ملف " لأن قبر يوسف هذا بات مزارا يهوديا محميا بالجيش وشرطة السلطة ، ويؤمه المستوطنون اسبوعيا للصلاة .
وتبين الوثائق العثمانية ، بأن هذا القبر لا يعود أبدا للنبي يوسف ، ولكن لشيخ مسلم " صوفي " يدعى " يوسف الدويكات " ، وإن عمره لا يتعدى 200 سنة فقط ، وأن العثمانيين اعتنوا به وصنفوه مقاما صالحا كما فعلوا مع كل من اعتقد السكان حسن سيرتهم أو أنهم " أولياء صالحين" وفق الموروث الشعبي : لكون الدولة العثمانية كانت متأثرة بالفكر الصوفي ، ومن هنا جاء الاهتمام العثماني بالقبر شأنه شأن كل المقامات التي كان العثمانيون يعتنون بها آنذاك ،غير أن الصهاينة يصرون بأن هذا القبر هو للنبي يوسف الذي تم إحضار عظامه من مصر ليدفن هنا وفق زعمهم، وهو ما تنفيه حتى المصادر المصرية أيضا ، ومع ذلك ، فإن الهدف الصهيوني يتطلب تثبيت هذا المعتقد ، وقد نجحوا في ذلك نجاحا باهرا وبات القبر مزارا اسبوعيا للمستوطنين من أجل الدعاء والتبرك .
لا بد لنا من الإعتراف بأن تكريس هذا المعتقد الصهيوني بشأن القبر ساهم به الفلسطينيون سواء السلطة التي تشرف على المكان بالتعاون مع الأسرائيليين أو من خلال ممارسة عامة الفلسطينيين انفسهم ، ولا بأس من الإعتراف بأن غضب الفلسطينيين من زيارات المستوطنين للقبر دفعهم في كثير من الحالات إلى تكريس المعتقد الصهيوني من حيث لا يشعرون ظنا منهم أنهم بهذا يؤلمون المستوطنين ، مع أن ردات الفعل المتهورة أحيانا تكرس المعتقد الصهيوني وتعطيه الحجة تلو الأخرى في أن هذا المكان يهودي خالص وأن الفلسطينين " يدنسونه " بأفعالهم ، ولا ريب في أن الفلسطينيين- كجمهور - ليس لديهم من بدائل سوى التصدي للمستوطنين ، ولكن الأخطر هو أن تقوم السلطة الرسمية بعملية تكريس المفهوم الصهيوني من خلال اعادة الترميم وغيره ، وكأنها تقول للصهاينة " رسميا : " نحن أسفون .. سنصلح الأمر ونقوم بواجبنا في حماية الأماكن المقدسة، اي أن السلطة التي لا تعترف بقدسية ويهودية القبر تمارس هي الأخرى عكس هذا الإعتقاد فيلجأ الإحتلال لما تقوم به السلطة واعتباره دليلا على أن القبر يهودي وأن " عظام النبي يوسف " ، مدفونة فيه بدليل حراسة السلطة وعنايتها .
اسبوعيا تندلع مواجهات في مكان القبر ، والتصرفات هي ذاتها : مستوطنون يهاجمون وفلسطينيون يدافعون ، وسلطة " تراعي الأحاسيس الدينية عند اليهود " وتقوم بعناية متميزة للمكان ، وهنا تكمن المصيبة ، بل " التواطؤ " ربما .
مطلوب من السلطة التي " تبرمجت " على ردات الفعل من ترميم واعادة بناء وصيانة أن تتنبه لخطورة ما تفعله ، وأن تكرس مفهوما صارما أن صاحب هذا المكان هو " يوسف الدويكات " وليس " يوسف بن يعقوب" .
جي بي سي نيوز