الصين: خطط طموحة المدى والأمد
صدر في 22 أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري؛ تقرير عن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني. التقرير رسم معالم المرحلة أو المراحل المقبلة للصين بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، أو لجهة الواقع الموضوعي بقيادة شين جين بينغ، وبالذات للسنوات الخمس المقبلة، وربما للسنوات الأخرى بقيادته، إذا ما جدد له لمرة رابعة.
ركز التقرير على التالي، وباختصار: أولا؛ صيننة الماركسية وعصرنتها. ثانيا؛ تعزيز وترسيخ وتجذير راية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. ثالثا؛ التمسك بالماركسية الصينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ. رابعا؛ الحفاظ بحزم على مكانة شين جين بينغ بصفته نواة اللجنة المركزية للحزب. خامسا؛ بناء وتحديث الدفاع الوطني والجيش. سادسا؛ التمسك بالأصل مع الابتكار.. سابعا؛ القضاء على الفقر وإنجاز مجتمع رغيد. ثامنا؛ الرفض والتصدي لمحاولة الانفصاليين في تايوان؛ الاستقلال والانفصال، والسعي إلى دمج ضفتي المضيق. تاسعا؛ التحديث من عام 2020 إلى عام 2035 ومن عام 2035 إلى عام 2050. عاشرا؛ إصلاح منظومة الحوكمة العالمية وبناؤها والدفع بجهة تطور الحوكمة العالمية في اتجاه أكثر عدالة ومعقولية. الحادي عشر؛ قيادة الثورة الاجتماعية بثورة الحزب الذاتية.
مما لا شك فيه أن الصين حققت خلال عقود ما لم تتمكن أي دولة أخرى في العالم؛ من تحقيق ما حققته الصين؛ فقد انتقلت من دولة نامية خلال تلك العقود إلى دولة عظمى متطورة جدا، وأصبح الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وثاني أقوى اقتصاد في العالم. لكنها في الوقت الحاضر وما سوف يلي هذا الحاضر من الزمن المقبل؛ ستواجه تحديا لا يمكن الاستهانة به، وهذا التحدي ينحصر في مواجهة الولايات المتحدة التي تتوجس من تغول الصين في جميع الصعد والمجالات، وفي جميع أركان الكوكب؛ ببرامج فعالة وذات تأثير في مساحة التأثير الأمريكي في العالم، على صعيد المستقبل. أحد المسؤولين الأمريكيين وصف المواجهة مع روسيا والصين مؤخرا؛ بأن روسيا تواجهنا بعاصفة، لكن الصين تواجهنا بتغير المناخ، والمقصود بالمناخ هو تغيير طريقة ووسائل المنافسة، وحتى الصراع على المغانم والمكاسب على سطح الكرة الأرضية، بينما روسيا لا تشكل تحديا جديا للتغول الأمريكي، بفعل افتقارها لأدوات هذا التأثير. حسب هذه الرؤية الامريكية؛ فإن الصين تشكل لأمريكا التحدي الاستراتيجي، وفي المقابل فإن الصين، سواء في سياستها السابقة، وحتى في سياستها الحالية، وربما حتى في سياستها المستقبلية، حسبما جاء في التقرير الأخير للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني؛ فإنها ستتجنب قدر استطاعتها الصدام مع الولايات المتحدة أو مع غيرها. ذلك أن القيادة الصينية تريد أن تتفرغ للتنمية وتقوية قدراتها العسكرية حاليا، وإلى الأمد المتوسط، وربما أكثر من الأمد المتوسط، لكن أمريكا ومن باب مصالحها الكونية بعيدة المدى والأمد، لا يمكن لها أن تترك باب التطور والتنمية مفتوحا على مصراعيه أمام زخم وفاعلية التطور الصيني، وامتداد شراكاتها مع دول العالم، سواء في أوروبا، أو في آسيا، أو في افريقيا، أو في الوطن العربي بلا معرقلات ومطبات ذات فاعلية وتأثير في التغول الاقتصادي الصيني، ومن ثم على التطور الصيني في جميع الحقول، وفي مقدمتها تنمية قدراتها العسكرية. على هذا الأساس فإن الصراع الصيني الأمريكي في المقبل من الزمن سوف يكون واسعا ومؤثرا في الساحة الدولية، أي أنها حرب باردة من نوع آخر تختلف تماما عن الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، ولو أنها ـ أي هذه الحرب ـ لم تتضح معالمها بعد، وربما لم تتضح في المقبل المنظور من الزمن، إنما هي موجودة في قلب حركة الدولتين المتضادتين، هذا يعني أول ما يعني أن العالم سوف ينقسم مستقبلا بين قطبي الصراع، الأمريكي والصيني. أما الدول الاخرى بما فيها روسيا وحتى الاتحاد الاوروبي فسوف يكونان، أو ينقسمان على صفي القطبين، على جميع مساحات الفعل والمفاعيل في العالم وليس كما يروج له في منطقة محددة فقط، أي في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وفي المحيط الهادي والهندي، بل إن مساحات التنافس والصراع الاقتصادي وصراع جذب الشراكات في جميع زوايا كوكب الأرض، وليس في المناطق سابقة الإشارة لها. هذا التنافس والصراع ليس من بينه الصدام العسكري، لأن الصين سوف تتجنب هذا الصدام في أي شكل وفي أي صورة ووسيلة، وحتى أمريكا لا تريد هذا الصدام إلا إذا استطاعت توظيف وكيل إقليمي أو وكلاء إقليميين في الصدام مع الصين، وهذا أمر بعيد الاحتمال جدا، على الأقل في الأمد المنظور، وربما المتوسط.. هذا الصراع بأدوات الاقتصاد، ما سوف تواجهه الصين مستقبلا، أو امتدادا لفترة ترامب في الإدارة الأمريكية التي شهدت ارتفاع وتيرة هذا الصراع.. على الرغم من العلاقات الاقتصادية المتشابكة والمتداخلة بين الاقتصادين ولمصلحتيهما، لكن هذا لا يعلي، أو حتى لا يقلل من التنافس والصراع بين الدولتين، بل على العكس تماما سوف يزيده توترا وتنافسا وصراعا، حتى يصل في نهاية المطاف ولو بعد عدة سنوات إلى القطيعة والصراع التنافسي في الفضاءات الإقليمية والدولية..
القدس العربي