السادة النوّاب،، اخفضوا اصواتكم قليلاً وحافظوا على الماء،،
الغالبُ أن اختلافَ الأراء وتعددها في المجتمع الكبير حالةٌ صحيّة وهو كذلك أيضاً في مجلس النوّاب، ومثلُ ذلك التحاور والاجتهاد والنقد والرد فكُلها من وسائل الحوار، لكن وسائل الحوار في مجلس النواب الأردني الخامس العاشر لم تعد تقتصرُ على اللسان والمنطق والبيانات، بل توسعت لتشملَ شتائم من العيار الثقيل والأطراف وعبوات مياه الشرب وقد تتوسع مستقبلاً لتشمل مقاعدَ مجلس النوّاب، وصولاً في آخر المطاف إلى استخدام الأسلحة من مختلف الأنواع والقدرات.
مجلسُ النواب هو بيتٌ للأردنيين، فيه يتمثلُ المجتمع، وعنه تصدر القوانين وفيه يتعللُ الجميعُ بالمصلحة العامة وخدمة المواطنين، ولا مشكلةَ في أن يرتفع صوتُ النائب في سبيل المصلحة العامة والتخفيف عن كاهل المواطن. ولكن النوّابَ عندنا تتعالى أصواتُهم للدفاعِ عن أنفسهم وشتم الآخرين. وهذا ما يجعل الأمر ممارسةًَ لا تمتُ بصلةٍ إلى \"العملية الديمقراطية\" التي يُمثلها المجلس الكريم.
أنا أمثّل نفسي، ولستُ أتحدثُ عن تفاصيلِ واقعةٍ بعينها ومَنْ هوَ المُصيبُ أو المخُطئ، ولكنني كمواطنٍ أردنيّ وناخب، أرى أن مجلس النوّاب الحالي لم يرتقِ بعدْ إلى مستوى تطلعات الأردنيين، وربما صارَ مبرَرَاً التفكيرُ في هذه المشكلة. فهل نستحقُ مجلساً بهذا الأداء المتواضع في كل شيء، أم أننا نحتاجُ مجلساً يتمثلُ فيه خِيرةُ الخِيرة من أبناء هذا الوطن وما أكثرهم؟ فبإستثناء عددٍ من النوّاب، لا بدَ أن كثيراً من أعضاء مجلس النوّاب الآخرين قد وصلوا في قرارةِ أنفسهم إلى قناعةٍ هي أنهم ربما كانوا أفضل في أي مكانٍ آخر ما عدا مجلس النوّاب، وهم بالضرورة يعرفون أن اربع سنوات من \"التمجلس\" تحت قبة البرلمان لن تجعلَ منهم برلمانيين يُحسبُ لهم الحِساب من قِبَلِ المواطن والحكومات.
إذا كُنّا كمواطنيين لم نستفدْ كثيراً من وجود واستمرار مجلس النوّاب، لا على صعيد مراجعة الكثير من التشريعات القائمة واستحداث الجديد منها والضروريّ. ولا على صعيدِ توجيه الحكومة نحو استثمارات بتوزيعٍ جغرافي عادلٍ يسمحُ بشموليّة مكاسب التنمية وتوظيف الشباب بدخولٍ تضمن لهم حياةً كريمة. ولا على صعيد معالجةِ مشكلةِ الفساد وهدر المال العام. ولا على أي صعيدٍ إيجابيّ آخر، وهم – أي السادة نوّانبا الكرام- مشغولون بتحقيق المزيد من المكاسب الخاصّة لهم والمطالبة بالمزيد من الامتيازات نظيرَ \"تطوّعهم\" للعمل العام، وهم أيضاً متفقون بشكلِ لافتٍ على تحميلِ المواطن أيةَ ضرائبَ أو فلساتٍ أو دنانيرَ \"تقتضيها المصلحة العامة\" إذن، فلماذا يتشاجرُ السادة النوّاب وعلى ماذا يتشاجرون؟ ولماذا تعلو أصواتهم وعبوّات الماء المخصصة أصلاً للشرب ثم إعادة التدوير، أم أن السادةُ النوّاب لا يعلمونَ أن الصوتَ العالي لا يُساعدُ المنصتَ على الإستماع والاستفادة؟.
أتمنىْ أن يتم \"تقييم\" و مراجعة جدوى بقاء مجلس النوّاب الحالي، وحتى ذلك الحين، أرجو من السادةِ النوّاب أن يخفضوا أصواتهم قليلاً عند أي نِقاش أو مناكفة، حتى نتمكنَ من سماعهم والاستفادة.
نصيحةٌ ثانيةٌ للسادةِ النوّاب: بعدَ الإحترام،، لا تتشاجروا بعبوّات الماء، بل حافظوا عليها، لأننا في الأُردنِ نعيشُ على تخومِ الصحراءِ وعلى شاطئِ بحرٍ ميّتْ ونعاني – فوقَ ذلكَ- من عطشٍ غير مسبوق.
أما ملاحظتي الأخيرة قبلَ الختام فهي أن الناسَ في الأُردن يتفاضلونَ بالإنتماءٍ له والخوفِ عليه والدفاعِ عنه، ولا يتفاضلُونَ بشيءٍ آخرَ. معروف بالضرورةًِ أن \"التقوىْ\" هي معيارُ التفاضلِ عند اللهِ، وليستْ معياراً للتفاضلِ في الانتماءِ للأوطان.