الكف الاجرب
مزعج وضع سيارتي ، فهناك مشكلة في تشغيل وصوت وحركة السيارة بشكل عام، لذا توجهت ظهر ذاك اليوم الى (المعلم) ميكانيكي السيارات الذي على الفور قام بفحصها, ثم صرخ على ولد يافع في عمر الزهور يعمل لديه ، قائلا:\"هات مفتاح البواجي يا زفت!\" ، على التو احضر الولد ابن العاشرة المفتاح , وكان (المعلم) يشرح لي هذه مشكلة بسيطة لازم تبديل البواجي واراني احداها وقال : \"شوف كيف قديمة وملدوعة\" ، نظرت وقلت له \"انت اعرف يا معلم\"، صرخ المعلم مرة ثانية على الولد قائلا \"انت يا حيوان روح عند ياسر واحضر اربعة بواجي اصلية \" ثم التفت المعلم الي وقال \"البواجي الاصلية ثمنها ستة عشر دينارا والتجاري اثنا عشر دينارا\" ، فقلت له \"انت اعرف يا معلم\".
لم تمض بضع دقائق حتى احضر الزفت عفوا الحيوان (لا اله الا الله) اقصد الولد البواجي وسلمها للمعلم ، قام المعلم بتركيب البواجي الجديدة الاصلية وقال كل شيء تمام ، فرحت كثيرا وقلت : \"اؤمرني يا معلم\" قال : سلامة خيرك خليها علينا ولم ينتظر جوابي بل قال: \"ستة عشر دينارا ثمن البواجي وثمانية دنانير اجرة فك وتركيب \" دفعت له وتوكلت على الله ، لكن للاسف طول المسافة الى منزلي لم اجد تحسنا في حالة سيارتي المعتلة فرجعتله وقلت : \" يا معلم السيارة على حالها فرد المعلم \" : ايوه لازم تبديل اسلاك البواجي انا ما حبيت تتكلف كثير ، فقلت له: \" بارك الله فيك انت اعرف يا معلم\" ، فقام المعلم بفك اسلاك البواجي والتفت الى الخلف فرأى الولد وبيده سندويشة فلافل يقضمها بأسنانه وعلى التو سمعت صوت كف المعلم يرن على وجه الولد ، فطارت السندويشة من يد وفم الولد، وصرخ عليه المعلم \" ياحيوان الزفت ، قاعد تتسمم ، إتحرك روح بسرعة هات كيبلات بواجي من عند ياسر , خلينا نشتغل , مش شايف الزلمة مستعجل \"، ركض الولد مسرعا بل طار كالهواء كما طار قلبه من الخوف وطارت عيناه من شدة الالم .
ركض الولد وعيناه تنظران الى الخلف خوفا من المعلم وحزنا على بقايا السندويشة التي تناثرت اشلاؤها على الارض .
قطع الولد الشارع شارد الذهن, وستر الله ان سائق السيارة القادمة من الجهة الثانية كان منتبها فدعس على فرامل السيارة بالوقت المناسب قبل ان يدعس الولد, ونظر الى المعلم وكأن شيئا لم يحصل, وقال: خليني احضر لك قهوة , فقلت له : \"شكرا يا معلم\" ، اغتنمت الفرصة وقلت للمعلم حرام هذا ولد صغيرلا يتحمل الضرب فنظر الي دون اكتراث لكلامي، وقال : \"يا استاذ كيف راح يتعلم الصنعة، انا لما كنت في عمره كنت افك سفايف البريكات وافك البواجي واعمل كل شيء, والمعلم كان لما يضربني شلوط يطيرني وكفه كان يلزق راسي بالحيط ومرة تأخرت باحضار مفتاح براغي العجلات فضربني به .
وماهي الا لحظات حتى عاد الولد ومعه الكيبلات \"تفضل يا معلم\" قالها الولد وعيونه بالارض رهبة من المعلم .
استرقت النظر الى وجه الولد دون ان يلاحظني حفاظا على مشاعره, ورأيت بصمات اصابع المعلم الخشنة مطبوعة على خده بل اثار صفعة الكف الاجرب محفورة على صفحة وجهه الايسر .
قام المعلم بتركيب الاسلاك الجيدة وقال \"هسع تمام\", فقلت له \"اؤمرني يا معلم \" ، فقال \"عشرون دينار\" دفعتها على الفور وقبل ان اتحرك قال لي من الافضل تبديل فلتر البنزين وفلتر الهواء , فقلت له \"انت اعرف يا معلم\", فقال الولد فورا للمعلم قبل ان يلطمه على خده الايمن \"اروح اجيبها يا معلم\" قال له المعلم انقلع بس لا تتأخر فقلت للولد انتبه عمو من السيارات, انطلق الوالد دون ان يعير كلامي اي اهتمام فصفعة يد المعلم ما زالت ترن في اذنه وبصمات اصابع الكف الاجرب ما زالت منقوشة على خده.
وما هي الا لحظات حتى سمعنا صوت شحط فرامل سيارة وصوت ارتطام, فعلى الفور نطق لساني \"راح الولد .. راح الولد\".
هرعت الى مكان الحادث وهرع الجميع ، وسمعتهم يقولون هذا \"حمودة المسكين صبي المعلم\".
نظرت لأرى دماء غطت المكان وجسما نحيلا مسحوقا تحت عجلات ميكروباص كان يسابق الريح من اجل راكب زيادة . فلعنت كل من يتستر على عمالة الاطفال ولعنت فنجان القهوة السادة الذي سيرشفه رئيس الجاهة ولعنت كل من سيتوسط لامثال هذا السائق المتهور الطيار .
مسكين حمودة شو مظلوم، ومسكينة سيارتي شو مظلومة ومسكين المعلم شو ظالم وشو مظلوم !!
* مدير عام الشركة المتحدة للتوظيف