استقلالية الجامعات
تنص الأنظمة والتعليمات المنبثقة عن قانون الجامعات الأردنية بكافة تعديلاته بتعريفه الصريح لمفهوم الجامعات بإنها مؤسسات تعليمية مستقلة أكاديمياً وإدارياً ومالياً، على اعتبارها مؤسسات تحكمها أنظمة وتعليمات حاكمة لإدارتها ضمن رؤى استراتيجية تسعى من خلالها ترجمة توجهاتها وقراراتها وخططها المستقبلية والتي تمكنها من الارتقاء برسالتها التعليمية بإدارة مستقلة ذاتياً بما يخدم مسيرتها الأكاديمية.
ولكن ما أستوقف المهتمين بالشأن الأكاديمي بالتساؤل عن حقيقة وصحة استقلالية جامعاتنا كما هو وارد بنص قانون الجامعات الأردنية والتعليمات الناظمة؟ وهل بإمكان الجامعات التصرف بحرية في إدارة شؤونها الأكاديمية والإدارية والمالية دون الحصول على موافقات مسبقة من وزارة التعليم العالي ومجلسه الموقر ومؤسساتها التابعة لها، والذي لا نجده بواقع جامعات الدول المتقدمة إلا في حالات محددة وفي الغالب متروكاً وبحرية للجامعات بإعتباره شأناً خاص بها؟ ولكن ما نشهده بواقعنا بإن جامعاتنا رهينة لقانون وتعليمات وقرارات تصدر من حين لأخر عن وزارة التعليم العالي ومؤسساتها مع بالغ تقديرنا الكبير لها، والتي تُفرض نفسها على الجامعات بذريعة أنها الجهات الرسمية المسؤولة عن رسم سياسات التعليم الجامعي وتنظيم وضبط مدخلاتها، مما يجعل الأمر مستغرباً لدى إدارات الجامعات والذي أصبح دورها تنفيذياً وحريتها مقصورة على أمور محددة ومعظمها إجرائية وبروتكولية، والأدلة والشواهد كثيرة ومنها على سبيل المثال لا للحصر التنسيب وتعيين رؤساء الجامعات وبعض قيادات الصف الأول، واستحداث البرامج الأكاديمية ومتطلباتها، والاعتماد الأكاديمي للبرامج، وعقد الشراكات للبرامج الأكاديمية، والطاقات الاستعابية لأعداد الطلبة، وشروط القبول للطلبة، وشروط توطين أعضاء الهيئة التدريسية، والخطط الدراسية للبرامج الأكاديمية، وغيرها الكثير. وهذا يؤكد على أن الجامعات جميعها مرهونة بموافقة الجهات الرسمية بدواعي الحرص على جامعاتنا ورسالتها التعليمية بإعتبارها صاحبة القرار بكل تفاصيل عمل الجامعات.
ويرى المهتمون بالشأن الأكاديمي بإن دور الوصاية على الجامعات ليس من الحلول الناجحة لنهضتها لا بل انها ستحد من قدرتها من الارتقاء بالعملية التعليمية والتعلمية وفقاً لتطلعاتها المستقبلية وخاصة في ظل المستجدات الراهنة والتي أصبحت تفرض نفسها على القرار الأكاديمي في الجامعات وعلى سبيل المثال تدويل التعليم الجامعي بمفهومه الشامل كتحدي يقف أمام الجامعات للحاق بركب الجامعات العالمية.
إن استقلالية الجامعات تُعد من أبرز مقومات النجاح والتفوق الأكاديمي والتنافسية وبناء السمعة والأدلة والشواهد كثيرة وهي واضحة للعيان في جامعات الدول المتقدمة والتي كانت وما زالت أنموذجاً كمؤسسات مستقلة، مما جعلها قادرة على هيكلة مدخلاتها أكاديمياً وإدارياً ومالياً وبحرية وبعيداً عن مربع الوصاية وأقتصار دور مؤسسات التعليم العالي فيها على الرقابة المسؤولة لأداء الجامعات، ونتيجة ذلك نجد جامعاتهم تتربع على تراتيب متقدمة من حيث السمعة والتميز والتصنيف العالمي.
وعليه نقول وبإمانة بإن استقلالية الجامعات هي من إحدى مفاتيح النجاح والتميز ومواكبة متطلبات العصر بإعتبارها هي صاحبة الشأن والقرار في إدارة بوصلة العملية الأكاديمية والإدارية والمالية بكافة ملفاتها وضمن أطر وضوابط حاكمة لإدارات الجامعات لتصبح أنموذجاً يحتذى به أقليمياً وعالمياً، واعطاءها مساحة واسعة من الحرية، والفصل والحكم يترك للمجتمع المحلي وسوق العمل وليست بالوصاية عليها، ناهيك عن تمكين الجامعات من الخروج من بوتقة القيود وترك المسؤولية الكاملة لإدارة الجامعات بما يخدم مصلحتها وخدمة المجتمع وسوق العمل وذلك تناغماً مع رؤى صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني أبن الحسين المعظم وولي عهده الأمين حفظهما الله ورعاهما.
بقلم: أ.د.يونس مقدادي