دبلوماسية القوة والحكمة
جاءت زيارة نتنياهو إلى عّمان، ولقائه بجلالة الملك عبدالله الثاني، في توقيٍت سيا سي حساس، خاصة وأّن هذه الحكومة الاسرائيلية، شكلت استثناًء، بما عبرت عنه من توجهات متطرفٍة.
غّير أّن مجيء نتنياهو إلى عّمان، يعبر عن مصدر قوة الدبلوماسية الأردنية ، ودورها، ورصيدها، وثباتها على الموقف والمبدأ، في الحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى ، وثابتها الوصاية الهاشمية، والدور الأردني، وهو ما سمعه نتنياهو وأّكد عليه بدوره، في عّمان .
أهمية هذه الزيارة، بأنها تؤكد أّن للأردن دور دبلوماسي وسياسي، إضافة إلى أهميته الاستراتيجية ، وعوامل أخرى، يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني .
فهذه الحكومة على "تطرفها" إلا أنها فورًا بادرت إلى تصحيح مسارها، مدركًة أن عمان هي البوابة التي لايمكن تجاوزها، ولا يمكن أّن تقبل التنازل عن ثنائيٍة متلازمة لها منذ تأسس هذا البلد، ، وهي أّن الخطاب السياسي يسير بالتوازي مع الفعل على الأرض ، وألا حديثًا إلا واحد سواء خلف الأبواب أم أمامها، ذلك أّن مصلحة الشعب الفلسطيني، وتحقيق العدالة له، وإيقاف "عنجهية" التعامل مع الفلسطنيين، والحفاظ على مشاعر المسلمين في الأقصى ، هي ثوابت عابرًة لأي سياساٍت داخليٍة أو إفرازاٍت انتخابيٍة تقرر في إسرائيل.
وهذه الزيارة، جاءت بعد حراك أمريكي في المنطقة، وزيارة جاك سوليقان، مستشار إدارة بايدن للأمن القومي، وتأكيدات واشنطن على أهمية احترام الدور التاريخي للأردن، وما يتشكل من إرهاصاٍت يمكن البناء عليها، لاطلاق عملية تفاوضية جديدة تقود إلى تحسين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وصياغة مقاربات تعيد إطلاق عملية السلام، بعدما شابها تشوه كبير جراء السياسات الاسرائيلية، وحكوماتها المتعاقبة.
وفي سياق الزيارة السياسي، فإنها جاءت قبل أيام من زيارة مرتقبة لجلالة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن، حيث انتهت الانتخابات النصفية، وتحررت إدارة بايدن من ضغط الكونغرس، وفق العرف الرئاسي الأمريكي، حيث آخر عامين في الرئاسة، يركز الرئيس على أجندته الخارجية.
ومجيء نتنياهو إلى عّمان، يأتي بعد قمٍة ثلاثية في القاهرة، جمعت الرئيسين الفلسطيني محمود عباس والمصري عبدالفتاح السيسي بجلالة الملك، بما يشير إلى صياغة رؤيٍة عربيٍة موحدة تجاه إطلاق مناخاٍت جديدٍة في المنطقة، تعيد أولوية القضية الفلسطينية، بعدما مّرت بمتغيراٍت عميقة في السنوات الأخيرة، لا تخفى على أّي متابع.
فاليوم، جلالة الملك الله الثاني، وبدبلوماسية نشطٍة يعيد الزخم لفلسطين، ويعيد إنتاج المشهد، بما يعزز تجاه البوصلة صوب تحقيق العدالة، والحفاظ على المصالح العربية، وبطرح ذكي باتت فلسطين عنوانًا حاضرًا على أجندة المنطقة، والساحة الدولية.
هذا الجهد الملكي، وما يحمله من خطاٍب ثابت المبدأ، والدور، ومعزٍز برصيٍد من الحضور لدى عواصم القرار في العالم، هو تزخيم مطلوٌب يمكن البناء عليه، وهو يعبر عن صوٍت قوٍي يصغي له الجميع، وبما يؤكد أولوية فلسطين، وثباتها قضيتها، وصولا إلى تحقيق مبدأ العدالة، والأيام المقبلة، ستؤكد على هذه المساعي، ودورها في تحريك المشهد، بما يعود بالنفع على فلسطين وقضيتها، وعلى المنطقة.
فالأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، كان وما يزال وسيبقى وفيًا لمبادئه التي تأسس عليها بدوٍر دبلوماسي عالي الرصيد وبطرح قادر على إقناع عواصم القرار، وقادر على التأثير في المشهد، بما يصون مصالحه، ويحقق مبدأ العدالة.
فالعالم اليوم، ورغم ما يمر به من متغيراٍت سريعٍة ترتبها متغيرات الحرب في أوكرانيا، وانشغالات تبعاتها من قضايا تضخم عالمي، وأزماٍت متلاحقة ، إلا أن للدبلوماسية الأردنية حضور فاعل ووازن، لأجل الأردن ولأجل فلسطين، والمنطقة.. بقوٍة وحكمٍة وذكاء، دام الأردن عزيزا بقيادته الهاشمية .