لماذا يخشون روجر ووترز؟
لم يكن متوقعا أن يكون حضور روجر ووترز، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم الأربعاء الماضي، بمستوى حضور غيفارا أو كاسترو أو ياسر عرفات أمام الجمعية العمومية. إذ أنه ليس رئيس دولة أو قائد حركة ثورية مناضلة معروفة في العالم أجمع بل موسيقي من فرقة اشتهرت، في السبعينيات، بأسطوانة عنوانها « الجدار». فكيف انتهى الحال بالموسيقي روجر أن يخاطب مجلس الأمن (عبر فيديو) الذي أجرى مناقشات عدة حول الحرب في أوكرانيا، وتزويد الغرب أوكرانيا بالسلاح لكنه فشل في اتخاذ أي إجراء، بسبب الفيتو الروسي؟ كيف أصبح لموسيقي البوب من فرقة لم تعد مشهورة كما في السبعينيات، هذا الدور البارز الذي جعله محط حملة إعلامية شرسة، تتصدرها أجهزة الاعلام الصهيونية وتكررها الصحافة العالمية، بدرجات متفاوتة، لتصفه بالنازية ومعاداة السامية والعمالة لروسيا وبوتين بالتحديد؟
تمت دعوة روجر ووترز، البالغ من العمر 79 عامًا، لمخاطبة مجلس الأمن من قبل الوفد الروسي، باعتباره شخصا مؤثرا جماهيريا، إختار في العقدين الأخيرين أن تضاف إلى سيرته والتعريف به مفردة ناشط للدلالة على مواقفه الحقوقية والمناهضة للحرب والاحتلال، بالدرجة الأولى. أرادت روسيا، بحضوره، القول بأنها ترغب بوقف الحرب وإحلال السلام بمواجهة الغرب المُصر على تزويد أوكرانيا بالسلاح وهيمنة صناعة السلاح. وكان روجر قد وقف ضد إمداد الغرب بالأسلحة إلى كييف في رسالة نشرها على موقعه على الإنترنت في سبتمبر / أيلول.
فهل كانت إحاطة روجر، حقا، عمالة لروسيا وبوقا لبوتين وموقفا معاديا للسامية؟ وكيف تم التوصل إلى ذلك وقد أدان في كلمته الحرب بوقائعها الكارثية على الشعوب بقوله «أن إجتياح الاتحاد الروسي لأوكرانيا غير قانوني. أنا أدينه بأشد العبارات. كما لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا بدون استفزاز، لذلك أدين أيضًا المحرضين بأقوى العبارات الممكنة»؟ وهل دعوة الرئيس الأمريكي والروسي والأوكراني إلى التفاوض الفوري « لوقف القتال في أوكرانيا التي مزقتها الحرب، لا سيما في ضوء الحجم المتزايد من الأسلحة التي تصل إلى ذلك البلد التعيس» وأن تتخلص الشعوب من السوط المسلط عليها بعد خمسمائة عام من الإمبريالية والاستعمار والعبودية» تستحق الوصف بالنازية؟
للإجابة على هذه التساؤلات وتمحيص حملة العداء الإعلامية والرسمية لعدد من الدول، وعلى رأسها الكيان الصهيوني، ضد روجر، علينا أولا النظر أبعد من كلمته عن أوكرانيا. إذ يعود أساس العداء ضده إلى موقفه المناهض للحروب عامة وللاحتلال الصهيوني لفلسطين ومساندته للشعب الفلسطيني المقاوم، خاصة بعد انضمامه إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (البي دي أس) عام 2012 والتي يعتبرها الكيان الاستعماري تهديدا لأمنه ووجوده، بعد النجاحات التي حققتها عالميا.
وقد أدت زيارته إلى الأراضي المحتلة إلى تهديد حياته ومنع إقامة عدد من حفلاته الموسيقية في عدة بلدان وتعرضه لأشد حملات الكراهية شراسة إثر وقوفه أمام جدار العزل العنصري وكتابته جملة « لا نحتاج سيطرتكم على الأفكار» إقتباسا من واحدة من أشهر الأغاني ألتي ألفها نهاية السبعينات لفرقة « بينك فلويد» ورأى في الجملة تماهيا مع سياسة كيان الاحتلال، ومنددا في عشرات المقابلات الصحافية بسياسة الإبادة وجرائم الحرب التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني.
مخاطبا الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، باسم الشعوب، والغالبية التي بلا صوت، تساءل روجر «ما هي اهدافكم؟ أرباح أكبر للصناعات الحربية؟ المزيد من القوة على مستوى العالم؟» معلنا بقوة أن «هذه الحروب الدائمة ليست من اختيارنا، وأن حروبك ستدمر الكوكب الذي هو موطننا، وجنبا إلى جنب مع كل الكائنات الحية الأخرى، ستتم التضحية بنا على مذبح شيئين، الاستفادة من الحرب لتلائم جيوب عدد قليل جدًا جدًا، والمسيرة المهيمنة لإمبراطورية أو أخرى نحو الهيمنة على العالم أحادي القطب» محذرا بأن هذا الطريق سيؤدي فقط إلى كارثة.
وفي الوقت الذي اختارت فيه الحكومات والمؤسسات الغربية مسار استقبال الرئيس الاوكراني، في كل العواصم الغربية تقريبا، وتزويده بطلبات السلاح المتطور الذي يحتاجه، بذريعة مقاومة الاحتلال، بالإضافة إلى الدعم الإعلامي المستمر بكل المستويات، لم يحدث يوما وأن حظيت مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ولو بنسبة ضئيلة من هذا الاهتمام، بل وغالبا ما اتُهمت، كما مقاومة الشعب العراقي ضد الاحتلال الأنكلو أمريكي، بالإرهاب.
هذه الحقيقة المُتعامى عنها بانتقائية لا أخلاقية، تطرق إليها روجر مُذكرا «نحن الشعب، نريد حقوق الإنسان العالمية لجميع إخوتنا وأخواتنا، في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسيتهم. ولكي نكون واضحين، أن يشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الحق في الحياة والملكية بموجب القانون، للأوكرانيين والفلسطينيين. نعم، فكروا بذلك. فكروا بما هو واضح لنا جميعًا. في مناطق الحروب أو في أي مكان يعيش فيه الناس تحت الاحتلال العسكري لا يمكن اللجوء إلى القانون، ولا توجد حقوق إنسان».
هل أراد روجر، في إشارته إلى الظلم الذي تعيشه الشعوب المُستغلة وتلك التي تعاني من الحروب والاحتلال، أن يقول كما قال غيفارا «إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني؟» ربما، لعله أراد ذلك… ولكن بأسلوب الموسيقي المختلف عن الثوري المقاتل، مقتبسا من أغنية جون لينون المشهورة عن السلام، ليوصل إلى مجلس الأمن رسالة من « جميع اللاجئين في المخيمات، من جميع الأحياء العشوائية والأحياء الفقيرة، من جميع المشردين، في كل الشوارع الباردة، ضحايا الزلازل والفيضانات.. رسالة الأغلبية التي لا صوت لها إلى قادة الامبراطوريات العراة: نحن الذين لا نشارك في أرباح صناعة الحرب. نحن لا نربي أبناءنا أو بناتنا مختارين لتوفير الذخيرة لمدافعكم. هذا يكفي! نحن نطالب بالتغيير». صحيح أن رسالة روجر لم تكن بذات اللهجة التي خاطب بها القادة الثوريين قادة العالم الاستعماري، إلا أنه بالتأكيد نجح مثلهم في اكتساب المزيد من حملات التشويه والاتهامات النمطية الجاهزة للتلويث رسالته الأخلاقية.
القدس العربي