اسئلة سيناء المعلقة
ما يحدث فى سيناء غير واضح وغير مفهوم، ويبدو أن البعيد عن العين ليس بعيدا عن القلب فقط كما يقول المثل الشائع، ولكنه أيضا قد يستعصى على الفهم. فالأقوال متضاربة بشأن الاضطرابات التى تشهدها. حيث لا نعرف إن كانت بسبب أنشطة المهربين أو المتطرفين والتكفيريين، أم أنها نتيجة تراكمات قديمة خلفتها أنشطة أجهزة الشرطة بأساليبها القمعية المعروفة التى لا تعرف حدودا أو حرمة. ويبدو أن الغموض الذى يحيط بما يجرى فى سيناء شمل الشريط الحدودى بينها وبين غزة، بالأخص موضوع الأنفاق التى كانت إحدى تجليات عبقرية الفلسطينيين حين هزموا بها الحصار وأفشلوه إلى حد كبير. حتى غدت تلك الأنفاق بمثابة جبهة أخرى للمقاومة التى انتصروا فيها على الذين أرادوا إذلالهم وتجويعهم.
تهمنى الأنفاق الآن لارتباطها بقضية أكبر، خصوصا أنها أصبحت عنوانا شبه دائم فى الصحف اليومية، كما أن ما نطالعه من أخبار وتقارير بشأنها يحيرنا. إذ تحدثنا تارة عن حملة لتدميرها، وتارة أخرى عن تفرقة بين أنفاق تهدد الأمن المصرى وهذه تتابع وتتعرض للتدمير والإغلاق، وأنفاق مستثناة من التدمير، هى التى تستخدم لتوفير احتياجات المحاصرين فى غزة. كما أن ثمة أخبارا تتحدث عن أن حملة التدمير بدأت فعلا لكنها أوقفت بعد ذلك.
ليس التضارب مقصورا على ما تنشره الصحف المصرية فحسب، لأننى وجدته منعكسا أيضا على الصحف العربية التى تصدر فى لندن. فقد نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» فى 3/9 على لسان السفير المصرى لدى السلطة الفلسطينية فى رام الله، ياسر عثمان، قوله أن مصر لن تستهدف جميع الأنفاق الواصلة بينها وبين قطاع غزة فى الحملة الأمنية المفترضة التى تشمل سيناء ورفح «مؤكدا أن الحملة لن تمس بأى حال الأنفاق التى تمثل شريان حياة للقطاع المحاصر، وإنما الأنفاق التى تضر بالأمن القومى المصرى». بعد يومين فقط (فى 5/9) نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية الخبر التالى: نفى مصدر مصری موثوق أن يكون هناك مخطط لتدمير الأنفاق على الحدود بين مصر وغزة، وقال «إن ما يتم هو أعمال حفر فى المنطقة العازلة على الحدود، بعيدا عن المنطقة السكنية». موضحا أن «هذه المعدات مرتبطة بمكافحة الإرهاب وليس لتدمير الأنفاق أو سدها».
أضاف الخبر المنشور أن قرارا كان قد صدر عن الشئون المعنوية فى وزارة الدفاع المصرية لتدمير الأنفاق الموجودة على الشريط الحدودى بين مصر وغزة بسبب اعتقاد خاطئ بأن المجموعات المسلحة التى هاجمت قوات من الجيش المصرى منتصف الشهر الماضى كانت قادمة من غزة الأمر الذى أثار حفيظة القيادات العسكرية المصرية لكن تم التراجع عن هذا القرار عندما اتضح أن المعلومة غير صحيحة، وأن جماعات مسلحة موجودة فى سيناء هى التى قامت بالعملية.
حين حاولت أن أتحرى الحقيقة من بعض ذوى الصلة الذين أثق فى معلوماتهم تبين لى ما يلى:
ـ إن هناك ضغوطا إسرائيلية وأمريكية شديدة تلح فى الدفع باتجاه تدمير الأنفاق التى أفسدت الحصار، بحجة أنها تستخدم فى تهريب السلاح للمقاومين الفلسطينيين فى غزة. وهذه الضغوط تزايدت بعد ثورة 25 يناير، التى تدعى المصادر الإسرائيلية أن قبضة الجيش والشرطة المصرية على سيناء تراخت بعدها، وتزعم أن ذلك أدى إلى زيادة عمليات تهريب السلاح من ليبيا بوجه أخص. وهناك من يقول إن التقارير الإسرائيلية التى تتحدث عن هذه المسألة مبالغة فيها إلى حد كبير، وأنها استهدفت ابتزاز القيادة المصرية واختيار مدى استعدادها للتجاوب مع الطلبات الإسرائيلية بعد الثورة.
ـ لا شىء يهدد الأمن القوى المصرى من خلال الإنفاق، على العكس تماما مما تروجه بعض الأبواق التى سعت دائما لتخويف المصريين وإثارتهم ضد الفلسطينيين، حتى هروب بعض الأشخاص المطلوبين عبر تلك الأنفاق ــ إذا حدث ــ فإنه لا يشكل تهديدا للأمن القومى رغم أنه يعد عملا غير مشروع، علما بأن ذلك الهروب حاصل أيضا داخل سيناء ذاتها، وقيل ان تظهر الأنفاق فى الأفق.
ـ إن السلطات المصرية أقدمت بالفعل على تدمير بعض الأنفاق ربما استجابة نسبية لبعض الضغوط، لكنها لا تتجه إلى إغلاقها تماما. أولا لأن ذلك متعذر من الناحية العملية، حيث تنتشر الأنفاق على طول مسافة تصل إلى تسعة كيلومترات، وثانيا لأن اقتصاد سيناء أصبح يعتمد الآن على الإتجار مع قطاع غزة. ومن شأن إغلاق الأنفاق أن يثير البدو فى المنطقة ويفتح الباب لمزيد من الاضرابات والقلاقل. وثالثا لأن الأنفاق أصبحت بمثابة رئة يتنفس من خلالها الفلسطينيون فى غزة. وقد يؤدى إغلاقها إلى نفاد صبر المحاصرين، وقد يستدعى قلاقل على الحدود تحرص مصر على تجنبها.
ما أستغربه أن الجميع مشغولون بمصير الأنفاق وما يحدث تحت الأرض، فى حين أن أحدا لم يفكر فى حل جذرى للأشكال يتمثل فى فتح معبر رفح الذى بسبب إغلاقه اضطر الفلسطينيون إلى حفر الأنفاق. والذى يتيح للحركة على الجانبين أن تتم فى الفور وتحت الأعين المفتوحة، لكننا تورطنا فى مشكلة أصلية، الأمر الذى ترتب عليه حدوث مشكلات فرعية. ثم انصرفنا إلى ما هو فرعى وتركنا المشكلة الأصلية كما هى وهو ذات المنطق الذى تعرف به «جحا» فى القصة الشهيرة، حين سألوه: إذنك من أين؟ ــ عجبى! ( السبيل)