«التحديث» في مواجهة المحاصصة والبيروقراطية
المدينة نيوز - بسام بدارين -: حسنا… نريد أن نتبلل جميعا كأردنيين في بركة التحديث المقترحة حتى وأن تأجل «الإصلاح الشامل». نريد المشاركة في فتح صفحة جديدة وطي صفحة الماضي والتطلع نحو المستقبل وفي ظل الثوابت والعناوين العريضة التي وضعت على شكل وثائق مرجعية تحدد مسارات تحديث المنظومة.
حسنا أيضا: لن نطوي الفولاذ أو نخترع صاروخا وسنقف عند حدود ما تقرر وأعلن ودعم ملكيا ومرجعيا وبكل اللهجات ونريد أن نشارك في حفلة التحديث الوطنية بكل إيجابية وحماس حتى نكون على قدر ثقة قيادتنا ومؤسسات الدولة بنا. وحتى تتوقف الحالة العدمية حيث الإقامة الدائمة هنا غير منتجة ولا أحد يستفيد منها ويخسر معها الجميع بدون استثناء.
نريد كل ذلك… ماذا ينقص إذا؟ أين السطر المخفي أو المسكوت عنه؟ كيف نصل كمواطنين مع الدولة إلى حالة توافق على الأقل بعد الثوابت المعروفة على مسارات التحديث الثلاثية بضجيج وجدل أقل وبدون تشكيك؟
تلك أسئلة لا بد من الإجابة عليها وتفاعلا مع منطق «اشعل شمعة بدلا من أن تلعن الظلام» نقدم فيما يلي سلسلة نصائح وإرشادات لا تحتاج «نروح فيها على القاضي» وتعالج بعض المسائل الإجرائية البسيطة التي نزعم اليوم أنها من مصادر إنتاج التشكيك الذي تحدثت عنه المرجعيات مؤخرا.
من باب المثال لا الحصر لا يجوز صياغة أساس لتجربة أحزاب سياسية في البلاد مع وجود قوائم سوداء من الحزبيين أو من بعض الأحزاب ونزعم أن تلك مسألة يجب أن تعالج بدون خصام إداري انطلاقا من مسألتين:
الأولى: جوهر المنطق الذي يريد دعم وتسمين وولادة أحزاب جديدة مبرمجة على أساس أنها ينبغي أن تتجاوز حزب التيار الإسلامي في العدد والعدة ومقاعد البرلمان المقبل… ذلك بالمناسبة هدف عصي ومعقد وصعب تحقيقه إلا بالهندسة فقط بعد 70 عاما من العمل الشرعي وسط الناس للإسلاميين. نزعم أن تلك برمجة أو هندسة إن جاز التعبير تخل بقواعد العمل الأساسية ويمكن الاستغناء عنها طبعا.
لا مكان للتحديث بدون مشاركة شعبية حقيقية أو مع إغلاق نقابات ولا مع خصومات حسب المزاج في مربع الحرية الفردية ولا مكان للتحديث بدون معادلة «الضريبة مقابل الخدمة»
الثانية: المسار الإداري الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام العمل الحزبي ثم يستثني حزبا محددا من تلك البركات الرسمية والبيروقراطية وليس سرا أننا نتحدث هنا عن حزب الشراكة والإنقاذ حيث تحفل منصات الأردنيين بأنباء مطاردة واعتقال نشطاء هذا الحزب واستهداف قياداته، وما نفهمه ضمنا حتى في الديمقراطيات الغربية أن بعض الأحزاب متشددة وأحيانا مجنونة حيث لا يمكنك هندسة خارطة حزبية تستثني حزبا دون غيره.
ولا يمكن منح بركات البيروقراطية للحالة الحزبية مع قرار يستثني لونا سياسيا ما والأساس هو التقميش القانوني بمعنى أن مخالفة القانون هي أساس ومعيار العمل الحزبي. يمكن بالمقابل القول بأن السلطات التنفيذية واجبها يحتم عليها اليوم الحرص أكثر على الشفافية والنزاهة وإظهار الاحترام في ملف الحريات وحقوق الإنسان.
الحد الأدنى من التمكين الاقتصادي وليس السياسي يحتاج لواقع حريات مختلف ولإدارات تنفيذية تؤمن بالحريات العامة والفردية وتصونها. لا يمكن تحديث المنظومة الحزبية مع استمرار التدخل بتركيبة الأحزاب الجديدة، ومن الصعب إقناعنا جميعا بالأولويات المرتبطة بالرؤية المعروفة، فيما تشتغل خلف الستارة والكواليس أدوات التعيين في التجارب الحزبية الجديدة وقوائم التصنيف هنا وهناك.
من غير المعقول ولا المقبول في «زمن التحديث» أن تنفتح أذرع الدولة الإعلامية فقط على لون واحد وأن لا يجد صاحب رأي مستقل ومهني أو حتى معارض مساحة له في البث الوطني أو أن يعاقب بعضنا لا بل بعض أخيار الأردنيين بحجبهم هنا وهناك إعلاميا، فالدولة تملك السيطرة على وسائل الإعلام، وهذا وضع ينبغي أن يتغير إذا حرصنا على احترام مسارات الرؤية والتحديث.
الكثير من العبث الإداري والبيروقراطي ينبغي أن يتوقف وأي دور لوطني حر ومستقل أو لمهني وفني وتقني يشكك بهدف الملاحظة والتصويب ولفت النظر لحصول أخطاء ينتج عنها فصام وأزمة مصداقية ينبغي أن يحترم ويقدر. ومن حق الجميع التواصل مع دولتهم ومع قيادتهم بعيدا عن تلك «القوائم البائسة» التي تصنف الناس وفقا للمحاصصة بغيضة ومظاهر التدخل في الانتخابات بكل أصنافها أن تغلق بقرار سياسي مرة واحدة والى الأبد قبل الولوج إلى برامج تنفيذية مرتبطة بالرؤية ومسارات التحديث الثلاثية.
اعتماد «الالتزام بالتحديث» ضمن المعايير الأساسية في المسؤولين خطوة مباركة بالتأكيد لكن لابد من تعميمها من أعلى الهرم الوظيفي إلى أدناه. التحديث يصنعه التحديثيون والمؤمنون فقط والمعادلة القديمة التي تكلف أشخاصا لا يؤمنون أصلا بالديمقراطية بصناعتها ورعايتها أشبه بترك «الأغنام» في رعاية «الذئب الغدار»…بصراحة جربنا ذلك في الماضي وأخفقنا ونأمل أن لا نجربه مع مسارات التحديث.
لا مكان للتحديث بدون مشاركة شعبية حقيقية أو مع إغلاق نقابات ولا مع خصومات حسب المزاج في مربع الحرية الفردية ولا مكان للتحديث بدون معادلة «الضريبة مقابل الخدمة».
القدس العربي