أسئلة سيناء المعلقة
تم نشره الثلاثاء 13 أيلول / سبتمبر 2011 02:04 صباحاً
فهمي هويدي
ما يحدث في سيناء غير واضح وغير مفهوم، ويبدو أن البعيد عن العين ليس بعيدا عن القلب فقط كما يقول المثل الشائع، ولكنه أيضا قد يستعصي على الفهم، فالأقوال متضاربة بشأن الاضطرابات التي تشهدها، حيث لا نعرف إن كانت بسبب أنشطة المهربين أو المتطرفين والتكفيريين، أم أنها نتيجة تراكمات قديمة خلفتها أنشطة أجهزة الشرطة بأساليبها القمعية المعروفة التي لا تعرف حدودا أو حرمة.
ويبدو أن الغموض الذي يحيط بما يجري في سيناء شمل الشريط الحدودي بينها وبين غزة، بالأخص موضوع الأنفاق التي كانت إحدى تجليات عبقرية الفلسطينيين حين هزموا بها الحصار، وأفشلوه إلى حد كبير، حتى غدت تلك الأنفاق بمثابة جبهة أخرى للمقاومة التي انتصروا فيها على الذين أرادوا إذلالهم وتجويعهم.
تهمني الأنفاق الآن لارتباطها بقضية أكبر، خصوصا أنها أصبحت عنوانا شبه دائم في الصحف اليومية، كما أن ما نطالعه من أخبار وتقارير بشأنها يحيرنا، إذ تحدثنا تارة عن حملة لتدميرها، وتارة أخرى عن تفرقة بين أنفاق تهدد الأمن المصري، وهذه تتابع وتتعرض للتدمير والإغلاق، وأنفاق مستثناة من التدمير، هي التي تستخدم لتوفير احتياجات المحاصرين في غزة، كما أن ثمة أخبارا تتحدث عن أن حملة التدمير بدأت فعلا، لكنها أوقفت بعد ذلك.
ليس التضارب مقصورا على ما تنشره الصحف المصرية فحسب، لأنني وجدته منعكسا أيضا على الصحف العربية التي تصدر في لندن. فقد نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» في 3/9 على لسان السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية في رام الله، ياسر عثمان، قوله إن مصر لن تستهدف جميع الأنفاق الواصلة بينها وبين قطاع غزة في الحملة الأمنية المفترضة التي تشمل سيناء ورفح، «مؤكدا أن الحملة لن تمس بأي حال الأنفاق التي تمثل شريان حياة للقطاع المحاصر، وإنما الأنفاق التي تضر بالأمن القومي المصري». بعد يومين فقط (في 5/9) نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية الخبر التالي: نفي مصدر مصري موثوق أن يكون هناك مخطط لتدمير الأنفاق على الحدود بين مصر وغزة، وقال: «إن ما يتم هو أعمال حفر في المنطقة العازلة على الحدود، بعيدا عن المنطقة السكنية». موضحا أن «هذه المعدات مرتبطة بمكافحة الإرهاب وليس لتدمير الأنفاق أو سدها».
أضاف الخبر المنشور أن قرارا كان قد صدر عن الشئون المعنوية في وزارة الدفاع المصرية لتدمير الأنفاق الموجودة على الشريط الحدودي بين مصر وغزة، بسبب اعتقاد خاطئ بأن المجموعات المسلحة التي هاجمت قوات من الجيش المصري منتصف الشهر الماضي كانت قادمة من غزة، الأمر الذي أثار حفيظة القيادات العسكرية المصرية، لكن تم التراجع عن هذا القرار عندما اتضح أن المعلومة غير صحيحة، وأن جماعات مسلحة موجودة في سيناء هي التي قامت بالعملية.
حين حاولت أن أتحرى الحقيقة من بعض ذوي الصلة الذين أثق في معلوماتهم تبين لي ما يلي:
- إن هناك ضغوطا إسرائيلية وأمريكية شديدة تلح في الدفع باتجاه تدمير الأنفاق التي أفسدت الحصار، بحجة أنها تستخدم في تهريب السلاح للمقاومين الفلسطينيين في غزة. وهذه الضغوط تزايدت بعد ثورة 25 يناير، التي تدعي المصادر الإسرائيلية أن قبضة الجيش والشرطة المصرية على سيناء تراخت بعدها، وتزعم أن ذلك أدى إلى زيادة عمليات تهريب السلاح من ليبيا بوجه أخص. وهناك من يقول إن التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن هذه المسألة مبالغ فيها إلى حد كبير، وأنها استهدفت ابتزاز القيادة المصرية واختيار مدى استعدادها للتجاوب مع الطلبات الإسرائيلية بعد الثورة.
- لا شيء يهدد الأمن القوى المصري من خلال الإنفاق، على العكس تماما مما تروجه بعض الأبواق التي سعت دائما لتخويف المصريين وإثارتهم ضد الفلسطينيين، حتى هروب بعض الأشخاص المطلوبين عبر تلك الأنفاق -إذا حدث- فإنه لا يشكل تهديدا للأمن القومي، رغم أنه يعد عملا غير مشروع، علما بأن ذلك الهروب حاصل أيضا داخل سيناء ذاتها، وقبل ان تظهر الأنفاق في الأفق.
- إن السلطات المصرية أقدمت بالفعل على تدمير بعض الأنفاق ربما استجابة نسبية لبعض الضغوط، لكنها لا تتجه إلى إغلاقها تماما. أولا لأن ذلك متعذر من الناحية العملية، حيث تنتشر الأنفاق على طول مسافة تصل إلى تسعة كيلومترات، وثانيا لأن اقتصاد سيناء أصبح يعتمد الآن على الاتجار مع قطاع غزة. ومن شأن إغلاق الأنفاق أن يثير البدو في المنطقة ويفتح الباب لمزيد من الإضرابات والقلاقل. وثالثا لأن الأنفاق أصبحت بمثابة رئة يتنفس من خلالها الفلسطينيون في غزة. وقد يؤدي إغلاقها إلى نفاد صبر المحاصرين، وقد يستدعي قلاقل على الحدود تحرص مصر على تجنبها.
ما أستغربه أن الجميع مشغولون بمصير الأنفاق وما يحدث تحت الأرض، في حين أن أحدا لم يفكر في حل جذري للإشكال يتمثل في فتح معبر رفح الذي بسبب إغلاقه اضطر الفلسطينيون إلى حفر الأنفاق. والذي يتيح للحركة على الجانبين أن تتم في الفور وتحت الأعين المفتوحة، لكننا تورطنا في مشكلة أصلية، الأمر الذي ترتب عليه حدوث مشكلات فرعية. ثم انصرفنا إلى ما هو فرعي وتركنا المشكلة الأصلية كما هي، وهو ذات المنطق الذي تعرف به «جحا» في القصة الشهيرة، حين سألوه: إذنك من أين؟ ــ عجبي! (السبيل)
ويبدو أن الغموض الذي يحيط بما يجري في سيناء شمل الشريط الحدودي بينها وبين غزة، بالأخص موضوع الأنفاق التي كانت إحدى تجليات عبقرية الفلسطينيين حين هزموا بها الحصار، وأفشلوه إلى حد كبير، حتى غدت تلك الأنفاق بمثابة جبهة أخرى للمقاومة التي انتصروا فيها على الذين أرادوا إذلالهم وتجويعهم.
تهمني الأنفاق الآن لارتباطها بقضية أكبر، خصوصا أنها أصبحت عنوانا شبه دائم في الصحف اليومية، كما أن ما نطالعه من أخبار وتقارير بشأنها يحيرنا، إذ تحدثنا تارة عن حملة لتدميرها، وتارة أخرى عن تفرقة بين أنفاق تهدد الأمن المصري، وهذه تتابع وتتعرض للتدمير والإغلاق، وأنفاق مستثناة من التدمير، هي التي تستخدم لتوفير احتياجات المحاصرين في غزة، كما أن ثمة أخبارا تتحدث عن أن حملة التدمير بدأت فعلا، لكنها أوقفت بعد ذلك.
ليس التضارب مقصورا على ما تنشره الصحف المصرية فحسب، لأنني وجدته منعكسا أيضا على الصحف العربية التي تصدر في لندن. فقد نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» في 3/9 على لسان السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية في رام الله، ياسر عثمان، قوله إن مصر لن تستهدف جميع الأنفاق الواصلة بينها وبين قطاع غزة في الحملة الأمنية المفترضة التي تشمل سيناء ورفح، «مؤكدا أن الحملة لن تمس بأي حال الأنفاق التي تمثل شريان حياة للقطاع المحاصر، وإنما الأنفاق التي تضر بالأمن القومي المصري». بعد يومين فقط (في 5/9) نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية الخبر التالي: نفي مصدر مصري موثوق أن يكون هناك مخطط لتدمير الأنفاق على الحدود بين مصر وغزة، وقال: «إن ما يتم هو أعمال حفر في المنطقة العازلة على الحدود، بعيدا عن المنطقة السكنية». موضحا أن «هذه المعدات مرتبطة بمكافحة الإرهاب وليس لتدمير الأنفاق أو سدها».
أضاف الخبر المنشور أن قرارا كان قد صدر عن الشئون المعنوية في وزارة الدفاع المصرية لتدمير الأنفاق الموجودة على الشريط الحدودي بين مصر وغزة، بسبب اعتقاد خاطئ بأن المجموعات المسلحة التي هاجمت قوات من الجيش المصري منتصف الشهر الماضي كانت قادمة من غزة، الأمر الذي أثار حفيظة القيادات العسكرية المصرية، لكن تم التراجع عن هذا القرار عندما اتضح أن المعلومة غير صحيحة، وأن جماعات مسلحة موجودة في سيناء هي التي قامت بالعملية.
حين حاولت أن أتحرى الحقيقة من بعض ذوي الصلة الذين أثق في معلوماتهم تبين لي ما يلي:
- إن هناك ضغوطا إسرائيلية وأمريكية شديدة تلح في الدفع باتجاه تدمير الأنفاق التي أفسدت الحصار، بحجة أنها تستخدم في تهريب السلاح للمقاومين الفلسطينيين في غزة. وهذه الضغوط تزايدت بعد ثورة 25 يناير، التي تدعي المصادر الإسرائيلية أن قبضة الجيش والشرطة المصرية على سيناء تراخت بعدها، وتزعم أن ذلك أدى إلى زيادة عمليات تهريب السلاح من ليبيا بوجه أخص. وهناك من يقول إن التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن هذه المسألة مبالغ فيها إلى حد كبير، وأنها استهدفت ابتزاز القيادة المصرية واختيار مدى استعدادها للتجاوب مع الطلبات الإسرائيلية بعد الثورة.
- لا شيء يهدد الأمن القوى المصري من خلال الإنفاق، على العكس تماما مما تروجه بعض الأبواق التي سعت دائما لتخويف المصريين وإثارتهم ضد الفلسطينيين، حتى هروب بعض الأشخاص المطلوبين عبر تلك الأنفاق -إذا حدث- فإنه لا يشكل تهديدا للأمن القومي، رغم أنه يعد عملا غير مشروع، علما بأن ذلك الهروب حاصل أيضا داخل سيناء ذاتها، وقبل ان تظهر الأنفاق في الأفق.
- إن السلطات المصرية أقدمت بالفعل على تدمير بعض الأنفاق ربما استجابة نسبية لبعض الضغوط، لكنها لا تتجه إلى إغلاقها تماما. أولا لأن ذلك متعذر من الناحية العملية، حيث تنتشر الأنفاق على طول مسافة تصل إلى تسعة كيلومترات، وثانيا لأن اقتصاد سيناء أصبح يعتمد الآن على الاتجار مع قطاع غزة. ومن شأن إغلاق الأنفاق أن يثير البدو في المنطقة ويفتح الباب لمزيد من الإضرابات والقلاقل. وثالثا لأن الأنفاق أصبحت بمثابة رئة يتنفس من خلالها الفلسطينيون في غزة. وقد يؤدي إغلاقها إلى نفاد صبر المحاصرين، وقد يستدعي قلاقل على الحدود تحرص مصر على تجنبها.
ما أستغربه أن الجميع مشغولون بمصير الأنفاق وما يحدث تحت الأرض، في حين أن أحدا لم يفكر في حل جذري للإشكال يتمثل في فتح معبر رفح الذي بسبب إغلاقه اضطر الفلسطينيون إلى حفر الأنفاق. والذي يتيح للحركة على الجانبين أن تتم في الفور وتحت الأعين المفتوحة، لكننا تورطنا في مشكلة أصلية، الأمر الذي ترتب عليه حدوث مشكلات فرعية. ثم انصرفنا إلى ما هو فرعي وتركنا المشكلة الأصلية كما هي، وهو ذات المنطق الذي تعرف به «جحا» في القصة الشهيرة، حين سألوه: إذنك من أين؟ ــ عجبي! (السبيل)