الحالة الرقمية عالمياً: ماذا يحدث كل دقيقة؟
يشهد الفضاء السيبراني ظهور مؤشرات كمية متزايدة تعبر عن حجم التفاعلات التي تحدث في هذا المجال وتحمل في طياتها ضخامة المعلومات والاتصالات التي تتم في وجود بيئة ونسق عالمي تطوري متسارع وبنى تحتية تكنولوجية تنتشر بشكل دراماتيكي. ومما يدلل على تنامي ظاهرة الفضاء السيبراني هو تزايد النشاط البشري في استخدام الإنترنت والاعتماد المتبادل بين كافة اللاعبين والفاعلين في مشهد رقمي تحدث فيه الكثير من الأشياء في دقيقة واحدة. ولنتخيل هذا العالم الذي يجري فيه إرسال ملايين النصوص ورسائل البريد الالكتروني وتمريرها وتحميلها.. كل دقيقة بل كل ثانية، ليبدو مشهد “الحالة الرقمية” العالمية اليوم أكثر ضخامة وتعقيداً مما نظن.
الشبكة العنكبوتية
لقد استحوذت الشبكة العنكبوتية على المستخدمين بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبحت الحياة اليومية لمعظم الناس مترابطة بشكل كبير مع استخدام الإنترنت وتطبيقاتها، على صعيد الاتصال الاجتماعي، والبحث عن معلومات، أو التسوق الإلكتروني، وحتى الألعاب والترفيه والتعليم والتعلم والأعمال… إلخ.
وحتى نقرّب قراءة المشهد أكثر، نلجأ إلى لغة الأرقام التي تخبرنا أن عدد سكان العالم تجاوز 8 مليارات في 15 تشرين ثاني/نوفمبر 2022 ، ووصل إلى 8,01 مليار في بداية عام 2023. وأن ما مجموعه 5.16 مليار شخص حول العالم يستخدمون الإنترنت منذ بداية عام 2023 ، وهو ما يعادل 64,4 في المائة من إجمالي سكان العالم، صحيح أن حوالي ثلث سكان العالم كان في عام 2022 من دون اتصال بالإنترنت، إلا أن أحدث البيانات تشير إلى أن عدد السكان المتصلين في العالم قد نما بما يقرب من 100 مليون مستخدم في 12 شهراً حتى كانون الثاني (يناير) 2023، ومنذ شهر نوفمبر 2022 ، كان هناك أكثر من 1,14 مليار موقع إلكتروني، بينما تجاوزت مبيعات تجارة التجزئة الإلكترونية العالمية إلى 6.5 تريليون دولار في بداية عام 2023، ويستخدم ما مجموعه 5.44 مليار شخص الهواتف المحمولة منذ أوائل عام 2023 ، أي ما يعادل 68٪ من إجمالي سكان العالم، ليزيد عدد مستخدمي الهواتف المحمولة “الفريدين” أو ما يطلق بتحليلات التسويق بنسبة تزيد قليلاً عن 3 في المائة خلال العام الماضي، مع 168 مليون مستخدم جديد خلال الإثني عشر شهراً الماضية.
الإنفاق العالمي على الإعلانات
المعطيات نفسها التي تتخصص بها مواقع مثل AllAccess و statista تتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على الإعلانات الرقمية إلى حوالي 681.39 مليار دولار في عام 2023، وأن تزداد حركة مرور الهاتف المحمول بنسبة 25٪ بحلول عام 2025. وتعزى هذه الزيادة إلى حد كبير إلى زيادة محتوى الفيديو المعروض، حيث يقضي حوالي 90٪ من الأشخاص من وقتهم على تطبيقات ووسائط الهاتف المحمول مع العلم أن 92.1٪ من مستخدمي الإنترنت يمتلكون هواتف محمولة.
تأسيساً على هذه الأرقام، ثمة نشاط متسارع يدور رحاه على أرضية الشبكة العالمية الضخمة التي أصبحت عنصراً لا غنى عنه في حياة البشرية، نستخدمها للتعلم والبحث عن المعلومات وإيجاد الاتجاهات والتسوق والترفيه والتعليم…وغير ذلك الكثير، حتى بات يقاس هذا النشاط البشري كمياً بالدقائق وحتى الثواني، إذ تم بث مليون ساعة من المحتوى بواسطة المستخدمين في جميع أنحاء العالم كل دقيقة خلال عام 2022 ، وخلال دقيقة واحدة فقط على الإنترنت جرى إرسال ما يربو عن 12 مليون رسالة من خلال برنامج iMessage، وما يزيد عن 70 مليون رسالة عبر تطبيق واتساب وإنشاء 208 غرفة كلوب هاوس، بينما شاهد مستخدمو برنامج تكتوك 167 مليون مقطع، وإرسال أكثر من231 مليون بريد إلكتروني ، وأزيد من 6 ملايين عملية بحث على محرك غوغل.
كما تحتوي دقيقة الإنترنت نفسها أيضاً على 1.4 مليون ضغطة تمرير على صفحات فيسبوك، وتحميل 240،000 صورة على التطبيق نفسه، بالإضافة إلى أكثر من مليوني تمريرة على منصة تندر، وصنع 9132 اتصالاً على موقع “لينكد إن”. وفي الدقيقة ذاتها يكون هناك 2.5 مليون سناب على منصة سناب شات، وحوالي 5 آلاف فيديو يتم تنزيله من تيك توك. وحوالي437,600 تغريدة تتم في ستين ثانية على تويتر، وفي الدقيقة نفسها يجري إنفاق حوالي 443,000 دولار في متاجر أمازون الإلكترونية، وشراء أكثر من 90 مليون عملة مشفرة، ودقيقة واحدة تشمل أزيد من 500 ساعة من المحتوى المرئي الذي تم تحميله على موقع اليوتيوب.
تطبيقات الإنترنت
هذا غيض من فيض الأرقام الهائلة المعبّرة عن حجم التحول الرقمي واستخدام البشر لتطبيقات الإنترنت، والتي أصبحت قوة لا يستهان بها، بعد أن نجحت الأخيرة في الاستحواذ على عقول المستخدمين وتهيمن على أسلوب حياتهم (إذا ما أخذنا بالاعتبار أن متوسط استخدام الشخص اليومي للإنترنت هو سبع ساعات)، فالحالة الرقمية العالمية المدفوعة -بالتقارب السيبراني وتسارع وتيرة مؤشرات الثورة الصناعية الخامسة- تتطور بشكل كبير جداً في ظل تنامي وتوسع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتزايد المضطرد لأعداد المستخدمين للإنترنت، مع نمو حجم سوق الهواتف الذكية، وتوسع التجارة الإلكترونية، وزيادرة الاعتماد على العمل عن بعد .. ومن يعد بالذاكرة إلى بداية الألفية الثالثة، فليس من الصعوبة بمكان أن يرى شكل العالم وقد بدا مختلفاً، بينما يبقى السؤال عن حجم الزخم التطوري المتسارع الذي سيطال حياتنا الرقمية التي بتنا نقيسها بالثواني والدقائق على روزنامة الإنترنت، دون أن نتمكن من فهم أبعادها الحقيقية أو نعي تداعياتها الهائلة..
القدس العربي