الطب الشرعي الأردني.. عقود من إحقاق العدالة الجنائية
المدينة نيوز :- من أجل نصرة المظلومين وإنصاف الضحايا وتحقيق العدالة خاصة في القضايا الجنائية، أدرك الأردن أنه لا يمكن النطق بالحكم في بعض القضايا الجنائية إلا بعد أن يقول الطب الشرعي كلمته، ولهذا سعى مبكرا الى توفير الكوادر الطبية المتخصصة لمهمة تتطلب دقة عالية وأمانة لا حدود لها.
فالطب الشرعي بحسب رواده، يستمد أهميه وضروراته من أن تقريره يشكل بينة رئيسة في قضايا الايذاء او الوفاة أو العنف بمختلف اشكاله.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) تتبعت مسارات تطور الطب الشرعي منذ نشأته على يد رواده الأوائل الذين أكدوا
أن الطب الشرعي الأردني أخذ منحى جديدا قائما على العمل المؤسسي خاصة بعد حصول اطباء على الماجستير والبورد في هذا التخصص.
مدير عام المركز الوطني للطب الشرعي الأسبق لأكثر من ربع قرن الدكتور مؤمن الحديدي قال، إن القضاء الاردني لا يختلف في أساليب التقاضي عن الأساليب العالمية المرتبطة بالحاجة للاستناد على الأدلة العلمية والمادية للوصول للحقيقة، فالقاعدة العامة تقول إن العدل يكون دائما عبر العلوم والأدلة.
وأضاف، إن الأطباء العامين كان يتولون هذه المهمة عبر مديريات الصحة منذ نشأة الدولة وبقي الحال على ما هو عليه الى حين بروز الحاجة الى استخدام الأدلة المتطورة التي يتم استنباطها من خلال تخصص الطب الشرعي. حينها قررت وزارة الصحة عام 1969 ايفاد الطبيب محمد عبد الرحمن البشير الى مصر حيث عاد ليكون أول طبيب شرعي في الوزارة.
وأشار الى أن الدكتور البشير استقدم الدكتور فخري محمد صالح عثمان كبير الأطباء الشرعيين في مصر، والذي أصبح اسما بارزا في الأردن في فترة السبعينيات، ثم انضم اليه الدكتور سميح ياسين ابو الراغب والذي قاد الطب الشرعي في الجامعة الاردنية حيث كان قسم الطب الشرعي حينها صغيرا بجانب المختبر المركزي الحالي في شارع الملك حسين.
ولفت الحديدي إلى أن كلية الطب في الجامعة الاردنية استحدثت قسما للطب الشرعي في تحول ملحوظ مع انضمام الاستاذ الدكتور محمد احمد سليمان نهاية العام 1979، وكان رئيس قسم الطب الشرعي والسموم ووكيل كلية الطب في القصر العيني ورئيس جامعة الأزهر.
وكان الحديدي انضم عام 1979 الى كادر كلية الطب في الجامعة الاردنية لغايات الايفاد الى لندن ليعود منها بداية العام 1986 بعد أن تتلمذ على يد أحد أساطين الطب الشرعي في العالم وهو البروفيسور كيث سيمبسون، والذي يعتبر أحد كبار العلماء في العالم في مجال التشريح وعلم الأجنة.
وحين أصبح الدكتور زيد حمزة وزيرا للصحة عام 1986 أوعز بنقل التزام الدكتور الحديدي الى وزارة الصحة ليقود عملية بناء الطب الشرعي الحديث حيث تم تأسيس مركز اطلق عليه "المركز الوطني للطب الشرعي".
وأضاف الحديدي، أن المركز بدأ ببرامج تدريبية تحت مظلة المجلس الطبي الاردني بالاشتراك مع قسم الطب الشرعي في الجامعة الاردنية والعلوم والتكنولوجيا ولاحقا مع أقسام الطب الشرعي في كليات الطب في الجامعة الهاشمية ومؤتة، مشيرا الى الدور الكبير لتشريعات المجلس الطبي في البناء الطبي والحصول على الشهادة المهنية العليا سواء في الطب الشرعي أو غيره من التخصصات الأخرى.
وقال، إن الطب الشرعي أخذ منحى جديدا قائما على العمل المؤسسي خاصة بعد حصول اطباء على الماجستير والبورد، منهم محمد سعيد نزال، وحسن عبد الرجمن، بالإضافة الى قبول أعداد من المتدربين والدارسين الذين حصلوا على الشهادة العليا لاحقا.
وأكد أن المركز الوطني هو قصة تطور الطب الشرعي من مجرد تشريح الجثث الى صرح وطني مهمته إصدار تقارير طبية علمية للبت بقضايا لها في كثير من الأحيان بعد اجتماعي مثل حماية الطفل والأسرة من العنف، والتعامل مع التطبيقات الطبية القانونية لموت الدماغ، أو سرقة ونقل الأعضاء، ومكافحة الاتجار بالبشر من خلال الكشف المبكر عن أي تجاوزات بسبب العنف أو البغاء ، إضافة الى التعامل مع قضايا "ثوب الشرف" والتي يكون معظمها قائما على مجرد الظن والوهم.
تقول الدكتورة إسراء الطوالبة، إنها واجهت تحديات تمثلت برفض البعض التحاقها بكوادر الطب الشرعي كونها سيدة رغم إن النظام او القانون لا يمنع ذلك وكان هذا أول عائق تصدر المشهد بالنسبة لها، موضحة أن الأصوات من حولها كانت تسمعها بأنها لن تستمر وسوف تنسحب، وعليها الذهاب إلى تخصص يدر الربح المالي.
وأكدت أنها التحقت بالعمل في الطب الشرعي عام 2003 عن قناعة وشغف، ولم تكن لعبارات الاحباط أي تأثير على قرارها؛ لانها وجدت ضالتها بهذا التخصص الذي اشبع تفكيرها وملأ كيانها من خلال الرسالة التي تؤديها في كل مرة تكتشف ظلما لأي طرف، وأيضا لأنها كانت تبحث عن عمل له علاقة
بتحقيق العدالة المجتمعية.
وأضافت، من خلال عملي كإمرأة قدمت للعدالة المجتمعية والقانونية ما امكن تقديمه؛ فبعض القضاة الشرعيين يطلبون طبيبة مختصة في الطب الشرعي لفحص بعض الحالات التي تتطلب بعض من الخصوصية ذلك، مشيرة إلى أن النساء والأطفال المعنفون جسديا يشعرون بإرتياح عند فحصهم من قبل طبيبة حيث إن بعض الضحايا كانت ترفض الفحص إلا من خلال طبيبة خاصة في حالات الاعتداء الجنسي.
واشارت إلى بعض القضايا الكيدية بسبب رفض الفحص الطبي لعدم وجود طبيبة شرعية سابقا بهدف إعاقة التحقيق ما امكن، ومن هنا استمد وجود الطبيبة الرعية أهميته وضرورته لتسهيل إجراءات المحاكمة في مثل هذه القضايا الإشكالية.
وقال القائم بأعمال مدير مديرية المركز الوطني للطب الشرعي ورئيس أختصاص الطب الشرعي الدكتور ماجد ياسين الشمايلة، إن تاريخ الطب الشرعي الحديث في الاردن المواكب للممارسات العالمية يعود الى الثمانينيات، وقبل ذلك كانت خدمات الطب الشرعي تقدم من قبل أطباء غير مختصين.
وبين الشمايلة أن المركز يقدم خدمات متعددة تتركز في تقديم الخبرة الطبية الشرعية للجهات القضائية بما في ذلك الكشف التشريحي على الوفيات القضائية خاصة المشتبهة بها، والكشف الطبي على الاصابات بجميع اشكالها وفحص حالات الاعتداء الجنسي، والجسدي، والنفسي وإصدار التقارير الطبية الشرعية المتضمنة تقدير مدة التعطل، أو حدوث عاهة أو عجز، إضافة الى مهام اخرى.
وأشار الى إسهام الطب الشرعي في تحقيق العدالة للمجني عليه وذويه، ورفع الكفاءة الجنائية للدولة باعتباره من أهم اذرع تحقيق العدالة الجزائية، وذلك بتقديم البينة الطبية للمحكمة المبنية على الدليل الطبي.
واضاف، إن تقرير الطب الشرعي يعتبر بينة تسهم في توضيح او تفسير الحالة و ما بها من إصابات، وأسباب وفاة ومدلولاتها ونتائجها وعواقبها، وترجمة ذلك الى لغة قانونية واضحة قابلة لمقابلتها مع القوانين لتمكين الجهة القضائية من وزنها كبينة تضاف الى غيرها من البينات وبما يحقق العدالة لكل الاطراف.
وقال، إن المركز الوطني للطب الشرعي يعتبر مركزا تعليميا معتمدا محليا وإقليميا، مشيرا الى تدريب العديد من الاطباء الشرعيين من الدول العربية الشقيقة على مدى السنوات السابقة.
وأشار الشمايلة إلى الشراكة مع مديرية الامن العام، وتقديم خدمات متخصصة متطورة في الطب الشرعي كالفحوصات السمية، وفحوص المخدرات لغايات جنائية، والبصمة الوراثية، والشعاعية وطب الاسنان الشرعي وبشكل يتوافق مع المقاييس العالمية.
وتحدث عن المكرمة الملكية السامية والدعم المستمر لانشاء و تطوير وحدة التشريح الافتراضي المميزة والفريدة اقليميا، وتعتمد في الحالات المختارة على التشريح بالتصوير الرقمي المقطعي دون الحاجة لإجراء التشريح التقليدي المعتمد على إحداث جروح طبية استكشافية.
وأكد أن الخصوصية العالية لهذا التخصص لا تقابل بحجم العمل وحساسيته من حيث ظروف العمل والامتيازات والحوافز مقارنة بأطباء التخصصات الأخرى لذا فهو ليس من التخصصات الجاذبة/// ويصعب استقطاب كوادر طبية جديدة للعمل فيه، وهو ما ينعكس إرهاقا على الكوادر الحالية.
ولفت إلى أن عدد الأطباء الشرعيين في المراحل المختلفة من البرامج التعليمية وصل إلى 27، تقاعد منهم 6 ويعملون حاليا بنظام الجزئي.
وقال المختصون في الطب الشرعي من الجامعة الاردنية الدكتور سميح ابو الراغب، والدكتور حسن عبد الرحمن، والدكتور عماد العبداللات إنه وفي عام 1971 تمت الاستعانة بطبيب من مصلحة الطب الشرعي في مصر، وكيميائي ليعمل في مختبر السموم من نفس المصلحة، للعمل في وزارة الصحة.
واكدوا أنه وفي ذات العام تم إيفاد الطبيب الدكتور سميح ابو الراغب من وزارة الصحة الى بريطانيا، ليكون أول اختصاصي في الطب الشرعي بعد عودته عام 1973 حيث تقرر في حينها تغطية العديد من أعمال الطب الشرعي في مختلف مناطق المملكة.
وفي عام 1975 تم الاتفاق مع كلية الطب في الجامعة الأردنية ووزارتي العدل والصحة على نقل جميع الوفيات القضائية إلى مشرحة مستشفى الجامعة الأردنية لغايات استفادة طلبة كلية الطب، وفي عام 1977 تم اعتماد ممارسة قسم الطب الشرعي في كلية الطب للطب الشرعي في مستشفى الجامعة الأردنية، من قبل وزارتي العدل والصحة.
وأضافوا، انه في عام 1979 تم استحداث برنامج ماجستير أكاديمي مهني في الطب الشرعي وعلم السموم في كلية الطب، وتم الاعتراف به من قبل منظمة الصحة العالمية، وتم ايفاد عدد من الأطباء من ملاك وزارة الصحة للالتحاق بالبرنامج المهني، ثم التحق بالبرنامج مساعدو أعضاء هيئة التدريس في كلية الطب، بالإضافة الى مشاركة عدد من اطباء الدول الشقيقة المجاورة، ومنهم طبيب موفد من كلية الطب في جامعة البصرة في الجمهورية العراقية، وطبيب من كلية الطب في جامعة عدن في الجمهورية اليمنية.
ولفتوا إلى أنه تم تدريس الطب الشرعي لطلبة كلية الطب والماجستير في الطب الشرعي، وطلبة الحقوق، والتمريض، وماجستير القضاء الشرعي في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، بالإضافة الى الأطباء المتدربين في برنامج الاختصاص العالي في الطب الشرعي في الأردنية والعلوم والتكنولوجيا، والمعهد القضائي الأردني وكليات الحقوق في بعض الجامعات الخاصة، وكلية التمريض في وزارة الصحة، وكلية الشرطة الملكية، وأكاديمية الشرطة، وكلية العلوم الشرطية في جامعة مؤتة.
وأكدوا أن مرحلة الاختصاص في الطب الشرعي بدأت في الجامعة الاردنية بماجستير عام 1985، وتم انشاء ما يسمى بالاختصاص العالي في الطب الشرعي وهو يعادل أعلى شهادة اختصاص في المجال منذ عام 1992، مشيرين، الى الصعوبات المهنية والنفسية التي تواجه الأطباء الشرعيين منها تبعات التقرير الذي يقدمه الطبيب وشهادته امام المحكمة، واحتمالات الإصابة بأمراض معدية أثناء التشريح، عدا الأذى النفسي الذي يلحق به خلال التعامل مع حالات صعبة وقاسية على النفس البشرية.
ولفتوا إلى عجز اخصائي الطب الشرعي العمل في القطاع الخاص بعد التقاعد لوجود عوائق متعددة لخصوصية تخصصه وعلاقته بالجانب القضائي.
--(بترا)