«مليار لايك» لقطة الإمام … مليار أسف على الأقصى
يعتقد المتابع لفيديو «قطة»، ولا نعلم كيف حدد جنسها، ومدى انتشارها – ليس في العالم، الذي يمكن تصنيفه بكل الصفات «غير عقلاني» «ما ورائي»، تتلقفه الهوامات الطفولية الساذجة والبدائية الدينية – بل كسر (الفيديو) حواجز هذا العالم للوصول إلى الغرب وأمريكا، وتحدث الجميع عن «قفز القطة» نحو الإمام أثناء صلاة التراويح، لذلك بلغت «اللايكات» أكثر من مليار، وتم تكريم الإمام من طرف وزير الشؤون الدينية، وقبلها من طرف سلطات ولاية برج بوعريريج.
وتحولت القضية إلى هزل و»نكتة»، بعدما بادر الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لأخذ صور مع قططهم وحيوانات الأخرى. ولعل ما علق عليه المتخصص في الأعشاب المغربي «الفايد» أثار سخط الجزائريين، فحسب «الدكتور»، فالقطة قفزت نحو الإمام بعدما شمت رائحة الدجاج في فمه. كما انتشرت صور أئمة من بلدان إسلامية مع القطط، والموضوع ما زال يشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين الكثير من المستحسنين، وغيرهم ممن يعتبرون الموضوع ضربا من «الشعوذة» و «التصنع».
هكذا انشغل الناس بهذه اللمحات الإنسانية و»الربانية»، وتفاعلوا مع الحدث تفاعلا عجيبا، وأصبح الإمام نجما لامعا، فاق نجوم الكرة والفن! وهناك من قام بتحليل «سيميائية الصراع بين العفوي والرمزي في صورة الإمام والقطة»!
من تحليل «سمير عباس» على صفحته على فيسبوك، وهو «طالب دكتوراه في الأدب العربي الحديث في جامعة عنابة، وعضو دولي في مختبر بنغازي للسيميائيات، وتحليل الخطاب في ليبيا. ومما جاء في المنشور «التحليلي» الموزع على ست نقاط، بعد التمهيد ووضع القارئ في سياق الحدث. النقطة الأولى ما أسماه بـ»السياق الأيقوني»، يتركز السياقي الأيقوني بشكل مذهل عبر كامل الصورة، مسجد كبير نسبيا في الجزائر، فيه صفوف مصلين واقفين يتقدمهم الإمام «وليد» ببنيته الجسدية الجيدة ولحيته ولباسه التقليدي، وعلى كتفه الأيسر قطة تتمسك بكتفه الأيسر، واقفة مادة رأسها نحو وجهه وقرب الميكروفون، وهو يقرأ مغمضا عينيه. فالسياق الأيقوني للصورة يتشكل رمزيا من قداسة المكان ومن قداسة الفعل الديني (الصلاة)، لكن هذا السياق يتمحور بشكل محوري حول القطة ووجه الإمام، حيث يكون توقع محافظة الإمام على السكينة والوقار نقطة توتر انفعالي شديد لدى الإمام، ولدى متلقي الصورة، ويظهر صراع بين عفوية القطة والفعل الإرادي للإمام بشكل قوي، أي صراع بين العفوي والرمزي».
أما على «المستوى المعرفي للصراع» فيقول عباس «يظهر إغماض الإمام لعينيه في الصورة دليلا ماديا ملموسا لوجود صراع معرفي في الصورة، الإمام يدرك مثله مثل كل البشر أن تصرفات القطة غير متوقعة، فقد تعبث بالميكروفون فتحدث ضحة غير متوقعة، أو قد تمد طرفها فتؤذي عينه اليسرى، وأمام توقع خطر كهذا، يميل الجسم البشري بشكل لا إرادي نحو إغماض العين حماية لها».
ويضيف المحلل «ويبدو واضحا في الصورة أن الإمام قرر بشكل سريع إرادي حسم المسألة لصالح الجوانب الرمزية الدينية من خلال السماح ببقاء القطة ومواصلة الفعل الديني، والحفاظ على الوقار والسكينة إلى أن يزول الصراع بانقضاء الفعل الديني أو مغادرة القطة».
أما على «المستوى الرمزي للصراع» ورغم أن الشريعة الإسلامية تسمح بإبعاد القطة، دون قطع الصلاة، إلا أن الإمام واصل الصلاة مع إبقاء القطة على كتفه، الأمر الذي يبدو «مغامرة غير محمودة النتائج لأول وهلة، لكن الخالق سبحانه هو مدبر الأمور كلها، والإمام امتثل لهذه التعاليم الأساسية في الإسلام على حساب شخصه».
ويضيف الكاتب أن مثل هذه الأمور كتبت في مدونات التراث الإسلامي وكانت أقرب إلى النكات، ولكن على الرغم من ذلك لا يمكن إنكار وجود صراع معرفي في مثل هذه المواقف».
بالإضافة إلى تحليل «رمزية الصورة» يرى أنها «تمثل أيقونة رائعة لأخذ الاختيارات السمحة الإيجابية، حتى في أهم المواقف، التي تستلزم الوقار والرصانة، وتصرفات الإمام العفوية تعطي مثالا ايجابيا لضرورة التصبر من أجل تحقيق الأهداف النبيلة، واختياره للتواضع لمخلوق بسيط بريء كالقطة ينم عن نفس طيبة سمحة مرحة»، وربما عن مدى انتشار الصورة ايجابيا، وفي الخاتمة يذكر عباس «تظهر صورة الإمام وليد مع القطة كأيقونة التسامح والسماحة في هذا العصر، الذي يزداد قسوة ويجعل الناس بحاجة الى دروس حديدة عن الإنسانية»، اللهم أكثر القطط وأكثر الأئمة مثل «وليد»، بل أكثر من يتسامح مع البشر ويعينهم على مصائب الدنيا والغلاء والعنف والآفات، التي تنخر في المجتمع. من وصل للعالم ليس الإمام وصلواته، بل صورة القطة «الكيوت» في مكان العبادة، بينما صور القطط المدللة تكون على الأرائك والأفرشة الوثيرة. وصل العالم هذا الفعل، الذي قد يكون بديهيا، لكن لم تصلهم صور «قفز» الجنود الإسرائيليين الى المسجد الأقصى، وسحل النساء ونزع خمارهن وضربهن!
لم ينشغل الغرب بالدماء المنتشرة في الأقصى، دماء المرابطات المسالمات، ولم يتم تنديد العالم ووضع ليس «اللايكات»، بل علامات الحزن والخزي على المشاهد المؤلمة!
وحتى العالمين العربي والإسلامي، انشغلا بالقطة، ولم ينشغلا بالمرأة ولا بالنساء الصامدات المدافعات عما تبقى من إنسانية البشر، وشرف العرب والمسلمين. انشغلوا بالقطة وتركوا البشر تحت رحمة القاتل؟!
«سرايا 2» دراما ليبية لا ترضي القبيلة
منذ الحلقات الأولى لعرض مسلسل «سرايا» على قناة «السلام» الليبية وردود الأفعال تتهاطل، عبر منصات التواصل الاجتماعي، انطلاقا من «قضية الجارية مبروكة»، إلى قبيلة «ورشفانة».
وعن «دور مبروكة» نقرأ على الصفحة الرسمية على فيسبوك لـ»منظمة نساء الطوارق»، وهي في المسلسل جارية سمراء اللون، أصولها من الجنوب الليبي، وصفت بعدة صفات لا إنسانية، ولا أخلاقية، وتدعو للفتنة، وتشويه نساء الجنوب»! وأضاف المنشور «مبروكة في المسلسل، هي امرأة سحارة، واتجيب فيه من «كانو»! وتارة أخرى وصفوها بالخبث والكذب، وأنها سيئة للغاية، والغريب جدا في المسلسل أنه كانت فيه جارية ثانية من الجنوب وطردوها، بسبب سحرها، وهي أيضا من الجنوب وصديقة «مبروكة». والمسلسل يحاكي قصة الصراع بين أبناء «علي باشا القره مانلي»، والحقد الذي بين الإخوة وصراعهم على الحكم. ومن المعروف أن يوسف باشا كان يتاجر بالرقيق، الذين يجلبهم من افريقيا. وما يثير الاشمئزاز هو لماذا اقترن السحر والفتنة والكذب والجواري بنساء الجنوب؟ مع العلم أن نساء الجنوب عبر العصور التاريخية لم يكن جواري في أي من البيوت، ولن نوسع الحديث أكثر لكي لا نثير فتنة بين أبناء الوطن الواحد». ويضيف منشور المنظمة «هذا المسلسل يثير الفتنة ويزور التاريخ من أجل تشويه الجنوب ويثير العنصرية ويخصصها لأهل الجنوب، يزور الحدث والقصة، ويضيف إليها إضافات غير واقعية ولم تحدث أبدا»! فطالب أصحاب المنشور سكان الجنوب بـ»التوقف عن مشاهدة هذه النذالة، التي تثير الاشمئزاز والحقد والفتنة بين أبناء الوطن الواحد» ومطالبة قناة «السلام» بإيقاف هذه المهزلة الكاذبة»!
ومن جهة أخرى، طالبت قبيلة «ورشفانة» من خلال بيان مشائخها وأعيانها: «التحقيق مع المخرج، عن العبارات المسيئة للقبيلة وتاريخها، وإغلاق القناة، وسحب الحلقات السابقة من المسلسل، وتحميل وزارة الثقافة ما صدر من هذه القناة، كونها الجهة المسؤولة عن المراجعة والموافقة على عرض الأعمال التليفزيونية، خاصة التاريخية منها».
وبعد توضيح واعتذار الفنان «فتحي كحلول» للقبيلة عن العبارة التي أثارت الجدل والمتمثلة في أن لديه شجرتي لوز في ورشفانة، وتعرضتا للسرقة من أحدهم»، الكلام الذي رآه الكثير من الليبيين، ليس فيه إساءة للقبيلة، ومع هذا اعتذرت قناة «السلام»، ومما جاء في بيانها «فإن القناة لا تجد أي غضاضة في تقديم الاعتذار لكل من فهم ذلك المشهد، على غير نيته، وأن احترام القبائل الليبية ودرء الفتنة أولى لديها، من الجدالات، وأن قبيلة ورشفانة وأهلها أعز لديها وأولى من التبرير».
ومسلسل «سرايا» بجزئيه تاريخي درامي ليبي، من إخراج أسامة رزق وتأليف سراج هويدي، وكوكبة من الفنانين الليبيين. وبما أن لا أحد أوقف مسلسل «دامة» الجزائري، ولا «فلوجة» التونسي، فلا يمكن إيقاف «سرايا» الليبي.
٭ كاتبة من الجزائر
القدس العربي