قتال العسكر في السودان
لم يستطع محمد حمدان داقلو أو حميدتي المنحدر من قبيلة عربية تسويق أنه في معاركه الأخيرة كان يحارب الإسلاميين الراديكاليين كما أعلن هو نفسه ، وذلك لما يسجله تاريخ الرجل الدارفوري الخارج من عباءة ما أطلق عليه " الجنجويد " التي أوكل إليها السيطرة على أقليم دارفور وإخماد القلاقل التي تثار هناك منذ سنوات بدعم من قوى خارجية خططت وتخطط لتقسيم السودان : إذ أناط به الرئيس المعزول عمر البشير المهمة كلها ، فقاد هذه القوة التي بات اسمها لاحقا " قوات الدعم السريع " .
وأيضا : لأن حميدتي خان قائده الأعلى واتفق مع قيادة الجيش ونفذ انقلابا عسكريا أطاح بالبشير وأودى به في السجن ، فإنه يصعب تصديق ما قاله عن أن تحركه العسكري هدف لوصول السودانيين للحكم المدني .
ويعزو البعض لحميدتي الفضل في بقاء دارفور تحت جناح الدولة ، إلا أن الغرب وبسبب ما قيل عن مجازر في الأقليم احال القضية لمحكمة الجنايات التي قضت بتسليم البشير ، وكما يبدو ، فإن حميدتي فعل فعلته مع البشير لينجو بنفسه من اتهامات مماثلة وأتبع ذلك بلقاءات مع الموساد .
في المقابل ، فإن عبد الفتاح البرهان الذي تسلم مجلس السيادة بعد وزير الدفاع أحمد محمد بن عوف المرفوض شعبيا ، لم يجد هو الآخر سبيلا من تبييض صفحته العسكرية السابقة في الجيش والنجاة من مصير البشير إلا من خلال الكيان الصهوني الذي اجتمع مع قادته أكثر من مرة سرا وعلنا ، من أجل إقامة علاقات طبيعية مع الكيان .
ولئن كان دمج قوات الدعم السريع في الجيش شرارة الحرب الأولى، إلا أن استحقاقات مختلفة فرضت أجندتها على المشهد ، فاندلع القتال وتوسع ليسقط مئات الأبرياء من المدنيين والعسكريين الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، أللهم سوى تحقيق رغبات الخارج وإشباع طموحات رجلين كانا إلى وقت قريب حليفين في جيش وطني ، ومن ثم في مجلس سيادة لم يحسن إدارة البلاد ولا ترسيخ مبدأ الديمقراطية الذي تظاهر لأجله السودانييون منذ 2019 فاختطفت ثورتهم الاحزاب والقوى المدعومة خارجيا ايضا .
وبغض النظر عن أي مفاجآت ميدانية ، فإن الحقيقة المرة التي بات يتجرعها السودانيون أنهم على موعد مع تصعيد كبير ، وأن بعض أقاليم بلدهم على حافة الانفصال كما حدث للجنوب . .. وبقيادة عسكريين لدودين يبحثان عن النجاة : الأول من " الاعتقال " والآخر من " حبل المشنقة " .
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز