لماذا نحتفي بتسنّم المُسلمين مناصب في الغرب؟
في الرابع من يونيو/حزيران 2009، وجه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خطابا إلى العالم الإسلامي من القاهرة، فصفق المسلمون له طويلا، ليس لمضامين الخطاب، بل لأن الرئيس ابتدأ خطابه بعبارة السلام عليكم، بعدها بدأت العشرات من الروايات الخيالية عن أوباما، كان أبرزها القول بأن أوباما مسلم وأن اسمه الحقيقي حسين أبو عمامة، لكنه يكتم إسلامه في الولايات المتحدة تقيّة سياسية.
وفي عام 2018 احتفى المسلمون بوصول الأمريكية المُسلمة إلهان عمر إلى عضوية الكونغرس الأمريكي، وتخيلوا أنها ستغير وجه الولايات المتحدة وسياساتها المتعلقة بتأييد الكيان الصهيوني! وكم سُعد المسلمون بوصول البريطاني المسلم صادق خان إلى منصب عمدة بلدية لندن، بعد أن بذلوا جهودا واسعة لحث أصدقائهم ومعارفهم على التصويت له، ربما ظن البعض أنه سيفتح أبواب لندن أمام المسحوقين والمحرومين من المسلمين في شتى أصقاع الأرض. وقبل أيام ضجت مواقع التواصل الاجتماعي فرحا وبهجة بوصول البريطاني المُسلم حمزة يُوسف لمنصب رئيس الوزراء في أسكتلندا، فقال مُحدثي الذي يقيم في الولايات المتحدة، سأنتقل مع العائلة للسكن في أسكتلندا. قلت لِمَ؟ قال لأن زعيمها مُسلم. قلت وهل بات هو النجاشي ملك الحبشة؟ فما الدوافع وراء هذا الاحتفاء؟ ولماذا نُراهن على هؤلاء المسؤولين؟
السلطة في الغرب ليس فيها رأي شخصي يتقدم على الآخرين، ولا سلطات فردية تعطي الحق للمسؤول في أن يجعل عقيدته الدينية تسود
يقينا ليس من أحد من هؤلاء أو من غيرهم من الساسة المسلمين المنظمّين إلى أحزاب ومؤسسات حكومية وبرلمانية غربية، من لديه أجندة إسلامية يروم تطبيقها في تلك البلدان، بل ليس بوسع أي منهم أن يُقدّم شيئا للمسلمين لا في البلدان التي يتبوؤن فيها مناصب، ولا في البلدان الإسلامية، لأنهم جزء من منظومة غربية متكاملة. وهذه المنظومة قائمة على ثنائية الديمقراطية والعلمانية، بل إن العلمانية تتقدم على الديمقراطية وتقودها، وتصبح الأخيرة مجرد خدعة ووهم كبير من دون الأولى، وحتى لو كانت كل الصناديق شفافة فلن تتحقق الديمقراطية في رأيهم من دون العلمانية، وعليه فإن وصول المسلم الغربي إلى السلطة، لا يعني بأي حال من الأحوال نصرا مؤزّرا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لأن السلطة في الغرب ليس فيها رأي شخصي يتقدم على الآخرين، ولا سلطات فردية تعطي الحق للمسؤول في أن يجعل عقيدته الدينية تسود. كما أن المجتمعات الغربية ومنذ زمن بعيد لم يعد الكتاب الديني والقيم الدينية جزءاً من حضارتها، بينما ما زال العالم الإسلامي حضارته حضارة الكتاب المُنزل، وهو مصدر فخر واعتزاز لأبناء الأمة. وبينما يغرق الغرب في الماديات، ويُقسّم العالم إلى قطب منتج وآخر مستهلك، فما زال العالم الإسلامي يشعر بأن لديه رسالة ووظيفة مختلفتين تماما، إنه يقع في مجال مغاير للآخرين بشكل تفصيلي، فهو منطقة أيديولوجية ليست مادية، بل منطقة أيديولوجية تبحث عن المعاني والقيم، وهذه فقدتها المجتمعات الغربية تماما. أما على المستوى الشخصي لهؤلاء الساسة المسلمين، فإن كل من عاش في الغرب أو عمل فيه، يعرف تماما أن هؤلاء، اكتسبوا وآمنوا بالنظرية الغربية القائمة على أن الأديان مجرد أسلوب شخصي فقط، وبالتالي لا يستطيع أي منهم، ولا حتى يريد، أن يفرض أسلوبه الشخصي وهوياته الأخرى على الآخرين، ولا على المجتمع الذي يقوده ويعمل فيه كسياسي. وهو عكس نظرة المسلمين في الشرق للدين، فهم ينظرون إلى الاسلام على أنه ليس دينا وحسب، بل ثقافة وأسلوب حياة وطريقة عيش، لذلك لو دققنا في تصريحات المسلمين الغربيين الذين نحتفي بهم، لوجدنا أنهم أبعد ما يكونون عن قيم الإسلام وتعاليمه، وبقدر ما أخذوا من الدين تركوا منه الشيء الكثير، لذلك لا خلاف بينهم وبين السياق الغربي للحياة. فهم مع المثلية الجنسية والمساكنة بين الرجل والمرأة دون زواج، وغيرها من الأمور التي يُحرّمها الدين الإسلامي، في حين أنهم يؤدون الشعائر الدينية المعروفة من صلاة وصوم وحج وغيرها، فمثلا رئيس الوزراء الأسكتلندي الذي احتفى بوصوله المنصب الكثير من المسلمين، كان صريحا جدا عندما قال، إنه لا يوافق على أن الجنس المثلي خطيئة، رغم أنه لم يدعِ أنه علماني، بل شدد على أنه مسلم ملتزم. وصادق خان كان يخرج مع المثليين في تظاهراتهم دعما لهم، إذن ما هي الأسباب التي تجعل الكثير من المسلمين، يحتفون بالسياسي الغربي المسلم عندما يتبوأ منصبا في الغرب؟
لعل السبب الرئيسي في حدوث هذا المشهد هو نظرة الغرب الدونية إلى المسلمين، وشعورهم بأنهم يتفوقون عليهم بكل شيء، وهذا التفوق من وجهة نظرهم يعطيهم حقوقا مضافة في الفكر وفي ازدراء المسلمين، وقد وجدنا هذا النفس المريض في احتلال أفغانستان والعراق، وفي موقفهم من القضية الفلسطينية، وفي تعاملهم مع القضية الأوكرانية بعكس التعامل مع القضايا الإسلامية. كما تمثّل الازدراء بصورة واضحة في تشبيه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون المسلمات المنقبات بأنهن كصناديق البريد. كذلك الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قاد حملة شيطنة واسعة ضد القيم الإسلامية، انطلاقا من قوله إن الإسلام يعيش أزمة. ولو نظرنا إلى كل إساءات الغرب للمسلمين، نجد أنهم يطلقون عليها تعبير (تصرف فردي)، وهذا كذب وافتراء ومراوغة سياسية لا أخلاقية، بل إن الحقيقة التي يؤمنون بها هي أنهم بشر من الدرجة الأولى، أما المسلمون فمن الدرجة العاشرة، لذلك عندما يُقتل أحد رعاياهم تقوم الدنيا ولا تقعد. هذا المشهد رتّب رد فعل عاطفي لدى المسلمين.. وجعلهم يحتفون بكل مسلم غربي يصل إلى قمة الهرم السياسي تشفيا فطريا لا أكثر، حتى لو كان مسلما بالاسم فقط، وشعورا ذاتيا من أن الإسلام بات له كعب أعلى في بلاد من يضطهدونهم ويظلمونهم ويصفونهم بالإرهابيين. وكأّن لسان حالهم يقول، انظروا كيف وصل الإسلام إلى قمة الهرم السياسي في بلدانكم. والحقيقة أن الإسلام كدين وقيم وروح وأسلوب حياة لم يصل للسلطة، بل وصل شخص يحمل هوية فرعية ليس لها من أثر حتى في سلوكه الشخصي. أما السبب الثاني وهو الأهم تقريبا فهو أزمة الهوية التي يعانيها المسلمون في بلدانهم. فعلى الرغم من أنهم يتعرضون إلى شتى أنواع المظالم في بقاع كثيرة من العالم، لكن حكوماتهم تقف عاجزة تماما عن فعل أي شيء، رغم أن حكامهم مسلمون. بالتالي فهم يظنون أن وصول مسلم إلى قمة هرم السلطة في دولة كبرى، يجعل رغباتهم في تحقيق الذات فيه، لأن دولته عظمى، وأن وجوده فيها يمثل إعلانا عن وجود ذواتهم. كما أنه يحقق لهم ما يطمحون إليه، وهو ربط هويتهم التي وقع عليها الضيم والقهر، بهوية دولة كبرى ذات فعل، وهذه كلها أضغاث أحلام وتمنيات بعيدة عن الواقع تماما. إن القاسم المشترك الأعظم لدى المسلمين اليوم، هو الرغبة في أن يكون الإسلام فعلا وليس مجرد هوية فرعية تسكنهم ويسكنونها، وأن حرصهم الأكبر أن يرتبطوا أكثر بهذا الفعل، كي لا يبقوا مسلمين يمارسون العبادات فقط ويسكنون الكتب الدينية، ويعانون الاضطهاد في أماكن كثيرة من العالم. فهذا الوضع لا يؤثر لا في الواقع ولا في التاريخ. في حين أن دينهم يحثهم على الانخراط في سياق يهدف إلى بناء رؤية جديدة إلى العالم.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
القدس العربي