ماذا بعد التذكير بالنكبة يا هيئة الأمم؟
نرحب بقرار هيئة الأمم المتحدة بأن يكون هناك يوم في السنة لتذكير العالم بمأساة الشعب العربي الفلسطيني التاريخية، المستمرة إلى يومنا هذا، بل المتعاظمة مع مرور الوقت. لكن القرار، ولتعذرنا الهيئة، جاء متأخراً جداً، وفي شكل رمزي بحت، ودون ربطه بأفعال مطلوبة في الواقع من أجل تصحيح نتائج الجريمة الاستعمارية – الصهيونية بحق فلسطين المحتلة وملايين شعبها الواقعين تحت الاحتلال والمهجرين في كل بقاع الأرض.
وبالرغم من رفضنا التام للقرار الأصلي بشأن أخذ جزء من فلسطين عنوة وإعطائه لأغراب، والذي كان قراراً خاطئاً ومعيباً من قبل هيئة الأمم في عام 1947، وقراراً فرضته دول الغرب الاستعماري من أجل تعويض يهود أوروبا على ما لحق بهم من قبل ألمانيا النازية، وبالتالي كان قراراً ظالماً إجرامياً على حساب شعب عربي لم يكن مسؤولاً قط عن مشكلة يهود أوروبا مع دول أوروبا ولا مشاركاً في ذرة مما حدث … بالرغم من ذلك فإننا سنناقش الواقع الظالم من خلال مكونات الواقع الخبيث اللئيم.
أولاً: يعرف القاصي والداني أن الكيان الصهيوني لم يلتزم قط، عبر خمس وسبعين سنة، بأي قرار أخذته الجمعية العامة ويتعلق بالموضوع الفلسطيني. لقد احتقرت سلطات الاحتلال الصهيونية كل قرار يتعلق بإرجاع ولو ذرة واحدة من الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني. بل ومارس مؤخراً عتاة اليمين الصهيوني المتطرف كل أنواع الجرائم اللاإنسانية ضد شيوخ ونساء وأطفال فلسطين وضد كل مقدسات المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، ومع ذلك فكل ما تفعله الهيئة وعالمنا الخانع اللامبالي هو الدعوة المملة لالتزام الجميع (نعم الجميع: المجرمين والضحايا) الهدوء والسير في المفاوضات العبثية التي استعملها الكيان الصهيوني للاستيلاء على تسعين في المئة من فلسطين التاريخية وانتهى باعتبار الفلسطينين إما كساكنين مؤقتين أو كمجرمين يزج بالألوف منهم في السجون وتدمر بيوتهم وتقتلع أشجار مزارعهم وتسرق مياههم، وإما كأغراب يجب تهجيرهم في الحال في منافي الأرض.
يعرف القاصي والداني أن الكيان الصهيوني لم يلتزم قط، عبر خمس وسبعين سنة، بأي قرار أخذته الجمعية العامة ويتعلق بالموضوع الفلسطيني
السؤال: أليس المفروض أن تطرح هيئة الأمم على أعضائها فكرة طرد هذا الكيان من هيئة الأمم وإشعاره بأنه مجموعة منبوذة لا تستحق الاعتراف بوجودها؟ عبر خمس وسبعين سنة لم تحاول هيئة الأمم أن تحرر نفسها من سطوة التحكم الأمريكي الاستعماري، المدعوم من قبل الدول الأوروبية الاستعمارية، في قرارات هيئة الأمم، لتثبت لنفسها وللعالم بأن هيئة الأمم هي بحق من أجل الجميع وباسم الجميع، وأنها أخيراً ستمارس العدالة في الموضوع الفلسطيني.
اليوم نسأل: كم قرنا يجب أن يمر حتى يستيقظ ضمير الأمم المتحدة لتعاقب هذا الكيان على جرائمه ولتكفر عن قرارها الجائر الأصلي بسلخ جزء من فلسطين وإعطائه للأغراب دون أخذ رأي شعب فلسطين العرب الساكنين في تلك الأرض منذ آلاف السنين؟
ثانياً: نقول للسلطات والفصائل الفلسطينية: ألم يحن الوقت للإعلان أمام العالم كله بأن خمساً وسبعين سنة من الآلام والعذابات والصبر والتنازلات لم تقنع الكيان الصهيوني بالتخلي عن أسطورة «أرض إسرائيل الكبرى»، وبالتالي أخذ كل فلسطين التاريخية كخطوة أولى، وأنه يقضم مزيداً من الأرض يومياً، ويمارس الجرائم يومياً، وأنه أصبح وحشاً لا يمكن التعايش معه. ومن هنا فإن الفلسطينيين وبقية شعوب الأمة العربية لن يقبلوا بعد الآن التفاوض إلا على أساس قيام دولة فلسطين العربية الموحدة الديموقراطية التي تضم كل العرب الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين واليهود غير الصهيونيين لمن يقبلوا أن يعيشوا بسلام مع الآخرين في أرض فلسطين كلها.
ويأمل الإنسان أن تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة مثل ذلك القرار العادل الشجاع الذي يتحدى الظلم الأمريكي – الأوروبي الذي لم يكتف بما فعله منذ وعد بلفور الانكليزي المشؤوم، الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وإنما يستمر هو نفسه بالتحالف مع الحركة الصهيونية العالمية، تارة باسم الدين المتخيل وتارة باسم المصالح المالية الجشعة، من أجل تحقيق حلم باطل كاذب يخادع البشر ويتجرأ حتى على أن يخادع الله الحق العادل وقوانينه في خلقه.
بعد مرور ثلاثة أرباع القرن حان الوقت لأن تطرح أفكار جديدة وأن تفعل إرادة جديدة قوية وأن تتحرر الإنسانية من كابوس كذبة كبرى.
كاتب بحريني
القدس العربي