ذكرى استقلال المملكة الــ 77 والمئوية الأولى لإطلاق تسمية الجيش العربي على القوات المسلحة الأردنية
من أقوال جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين :
* - يا جنودنا ويا أبناءنا أنتم سياج وطنكم ويوم الاستقلال هذا هو الفجر اللامع من بريق سلاحكم وإني لمغتبط بما شهدت من حسن نظامكم وتدريبكم وأرجو أن تكون العاقبة لكم ما دمتم المثل الذي يحتذى بالتضحية باسم الأمة العربية وفي البسالة والطاعة وأداء الواجب كان الله معكم وأعزكم وأعزَّ الوطن بكم.
* - " وإنه لمناسبة ذكرى استقلال بلادنا الأردنية وإعلانها دولة مستقلة استقلالاً تاماً على الأساس الملكي النيابي يسرنا أن نبادل شعبنا العزيز شعور الغبطة وأن نعرب عن شكرنا لجهاده المثمر واغتباطنا بوفائه وولائه وأن نبعث بتحياتنا وأحسن تمنياتنا للبلاد العربية الشقيقة ولأصحاب الجلالة والفخامة وملوكها العظام ورؤسائها الفخام سائلين المولى عزَّ وجل سلاماً عاماً للبشر يحققه صلح عادل عاجل تقره الدول الكبرى على الوجه الذي ينتزع الغل من الصدور ويدفع شعور الثارات التي قد تجر العالم إلى كوارث أخرى متوجهين إلى الله العلي القدير بأن يسدد خطانا جميعاً ويحقق لهذه الإنسانية المعذبة ما فيه الهدى والرضى والسعادة والسلام".
المدينة نيوز :- في ذكرى الاستقلال تطالعنا صفحات مشرقة من المجد والحياة الفضلى الكريمة، سُفر من أسفار المجد والعطاء لنقرأ في صفحته الأولى ملحمة الكفاح والنضال ونحن ندرك أن الاستقلال مشروع حياة أراده الهاشميون منذ الملك عبدالله الأول - طيب الله ثراه مفعماً بالعطاء الموصول والنهوض الشامل والسيادة المطلقة على امتداد خارطة الوطن والأمة لا يشوبه أي منغصات أو ينتقص من اكتمال معانيه أية معيقات.
فحمل الأردنيون مع قيادتهم الهاشمية رسالة خالدة على مدى تاريخهم المجيد، وبشروا بمبادئها السامية على ثرى فلسطين الطهور ورُبى الجولان وفي شتى ربوع العالم رسالة للمحبة والسلام، يترجمون الاستقلال مسيرة مباركة تكسرت فيها قيود الاستعمار وتعالت فيها صروح العلم والحضارة، وتجسدت فيها معاني الحرية وانعتاق الفكر نحو آفاق رحبة في أرجاء المجتمع الإنساني الدولي يحلق في فضاءاته وميادينه الرحبة ينافسه ويتعاون معه متسلحاً بكل قيم الإنسانية والعدل والتسامح والصبر.
ولأن الاستقلال عهد ووفاء، وتجديد بيعة، نصوغ فيه من كل مفردات مسيرة الكفاح والعطاء منذ أول قطرة دم أريقت في سبيل حرية الأمة.
وإدراكاً وفرحاً بكل معاني الاستقلال، يحتفي الأردنيون في الخامس والعشرين من شهر أيار من كل عام بعيد الاستقلال، فتغمر هذه الذكرى المجيدة ربوع الوطن كله بالفخر والإباء، وتملأ النفوس بالبهجة والسرور، ويعيش الشعب أمجاده وذكرياته في أروع صورها ومعانيها، ويستعرض معها سجل تاريخه الحافل بالتضحيات والآمال والعبر والدروس، ويرقب مسيرة الأردن وما تحقق خلالها من المكاسب والمطامح والمنجزات على طريق الإصلاح والتطوير وتعزيز ثقة المواطن بقدراته وإمكاناته، وتُمثل أمامه القيادة الهاشمية الصادقة الأمينة القدوة والأسوة والقوة الدافعة للمنعة والتقدم والعقل الموجه لمسيرة الخير والإصلاح على كل صعيد.
وكان الشعب والجيش الأردني في أي موقع الغاية والوسيلة للنهضة والنماء في ربوع هذا الحمى العربي الأصيل، وظلت رسالة الثورة العربية الكبرى رسالة الاستقلال والحرية من كل القيود التي تقف حائلاً دون طموح الإنسان.
ونذر الهاشميون أنفسهم لمجد الأمة العربية ومجدُ الأردن، فكانوا رمزاً للاستقلال وعنواناً للعزة والسيادة وبقي الجيش العربي قرة عين قادته وسياجاً منيعاً يحمي الاستقلال ويصونه ويحافظ عليه ليتحول إلى عطاءٍ لا ينضب، وإنجاز وبناء يغمر أرجاء الوطن، وتباشير فرح يحملها الأردنيون أمانة في أعناقهم ويصوغون من معاني الاستقلال عهداً وولاءً ليبقى الأردن حراً قوياً وشعلة من العلم والمعرفة والحضارة التي وشّحت ربوعه وهضابه بسير الأنبياء والصحابة، وكان الشعب بكل فئاته ظهير الجيش، فكانوا محوراً من محاور التغيير وأداة التطور والنماء.
كانت البدايات منذ أن نهض الشريف الحسين بن علي وقاد مسيرة الثورة والتحرير، وتولى أبناؤه قيادة جيوشها، وهبّ العرب في كل مكان يؤازرون الثورة ويدعمونها ويشاركون فيها لإنجاحها، وكان لأبناء الأردن دورهم المؤثر في هذه الثورة التي أسندوها وشاركوا في مسيرتها على أمل الوصول إلى الاستقلال الذي شكل حلم أحرار العرب، وما أن انقضت هذه المرحلة وانتهت الحرب العالمية الأولى، حتى بدأت تلوح في الأفق الكثير من المؤثرات ونقض العهود التي قطعتها بريطانيا وفرنسا للشريف الحسين بن علي للحصول على استقلال البلاد العربية، فلم تقف مؤامرات الاستعمار عند حدود إصدار وعد بلفور بل امتدت مطامع هذه الدول المستعمرة واتفقت كلمتها في عقد اتفاقية سايكس بيكو المتضمنة تقسيم البلاد العربية التي تم تحريرها من الانتداب الأجنبي عليها ثم محاولة إخراج الملك فيصل من أول مملكة عربية بعد قيام ثورة العرب نتيجة الهجوم الفرنسي عليها.
وإزاء هذه الظروف والمتغيرات في سير الأحداث أرسل الشريف الحسين بن علي سمو الأمير عبدالله بن الحسين لمحاولة تعزيز موقف الملك فيصل في سوريا وقد وصل سموه إلى معان، وكانت القوات الفرنسية قد أحكمت قبضتها على سوريا وبقي سموه في معان حوالي ثلاثة أشهر ونصف، وفي تلك الفترة توافد على مقره رجالات العرب من كل حدب وصوب مبايعين ومناصرين للحق العربي وللرسالة التي حملها الهاشميون.
ثم انتقل سموه بعد ذلك إلى عمان، ورأى أن المصلحة القومية تقضي التريث والتفكير والتخطيط لما هو آت إزاء ما آلت إليه الأمور في سوريا، وهنا بدأ سموه بتأسيس إمارة شرق الأردن، وهو يضع نصب عينيه إبعاد هذا الوطن عن مؤامرات الاستعمار محاولاً الحصول على استقلاله وبنائه على أسس قوية تكفل له الاستمرار والبناء رغم كل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها المنطقة سواء الاقتصادية أو العسكرية أو الاجتماعية.
وفي فترة قصيرة تمكن المغفور له الأمير عبدالله من إقامة حكومة شرقي الأردن المستقلة واستطاع بذكاءٍ وحنكةٍ، أن يستقطب الشعب والعشائر الأردنية وأن يؤسس دولة فتية مستقرة، وأن يقضي على الاضطرابات والثورات الداخلية ما دفع الحكومة البريطانية إلى الاعتراف رسمياً باستقلال إمارة شرقي الأردن في 25 آذار عام 1923م إلا أن هذا الاستقلال لم يكتمل نتيجة قيام الحكومة البريطانية بالتنصل من وعودها التي قطعتها للأمير عبدالله آنذاك.
تحقيقاً للأماني القومية وعملاً بالرغبة العامة التي أعربت عنها المجالس البلدية الأردنية في قراراتها المبلغة إلى المجلس التشريعي واستناداً إلى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية وبناءً على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 13 جمادى الآخرة 1365 الموافق 15 أيار 1946، فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الأردني أمر إعلان استقلال البلاد الأردنية استقلالاً تاماً على أساس النظام الملكي النيابي مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسسها (عبدالله بن الحسين) المعظم كما بحث أمر تعديل القانون الأساسي الأردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري، ولدى المداولة والمذاكرة قرر بالإجماع الأمور الآتية :
أولاً: إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية.
ثانياً: البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية (عبدالله بن الحسين) المعظم بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الأردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة:( ملك المملكة الأردنية الهاشمية).
ثالثاً: إقرار تعديل القانون الأساسي الأردني على هذا الأساس طبقاً لما هو مثبت في لائحة (قانون تعديل القانون الاساسي) الملحقة بهذا القرار.
رابعاً: رفع هذا القرار إلى سيد البلاد عملاً بأحكام القانون الأساسي ليوشح بالإرادة السنية حتى إذا اقترن بالتصديق السامي وعُدَ نافذاً حال إعلانه على الشعب وتولت الحكومة إجراءات تنفيذه، مع تبليغ ذلك إلى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية.
وفي 25 أيار عام 1946 ونتيجة للتطور والتقدم والاستقرار والمطالبة المستمرة من القيادة الأردنية والشعب الأردني انتهى الانتداب البريطاني وأعلن استقلال الإمارة وأصبح اسمها باسم المملكة الأردنية الهاشمية، وقد بايع الشعب وممثلوه وكل فئات الشعب الرسمية والشعبية الأمير عبد الله ليصبح ملكاً دستورياً على هذه البلاد.
ومنذ ذلك التاريخ والأردن يسعى بكل طاقاته وإمكاناته لتعزيز البناء الداخلي في كل مجالاته الاقتصادية والعسكرية والعلمية والاجتماعية وتعزيز علاقاته مع أشقائه العرب، وتمتين التواصل والتفاعل مع الدول الشقيقة والصديقة على أسس من الاحترام المتبادل والثقة واحترام حقوق الآخرين وتوجهاتهم لحماية منجزات الاستقلال والبناء.
ومنذ تأسيس الإمارة أدرك مؤسس الأردن بعقله الراجح أن استقلال أي دولة من الدول يبقى هشاً ومهدداً، وعرضة للتراجع والاهتزاز إذا لم يكن هناك جيش يحمي هذا الاستقلال ويدافع عنه ويحافظ عليه ويذود عن حمى الوطن، وقد أسس الجيش العربي على مبادئ النهضة العربية وحمل أهدافها وغاياتها وكان هذا الجيش منذ نشأته الأولى حريصاً على المساهمة الفاعلة في بناء الدولة الأردنية وتعزيز قدراتها الذاتية، حيث شارك في بناء مؤسسات الدولة في مجالات التعليم والصحة وتعزيز آفاق التعاون والعلاقات الاجتماعية وبناء قدرات الإنسان وتأهيله وبناء الشخصية الوطنية الأردنية التي تنامت قدراتها ومعارفها مع تطور الأردن ليتميز هذا الإنسان بقدراته وعطائه وولائه وإخلاصه لوطنه وأمته.
وحتى يكتمل الاستقلال، تم إنجاز الدستور الأردني في عهد الملك طلال - طيب الله ثراه ، ليتم بناء مقومات الدولة ومؤسساتها على أسس دستورية وليكون هذا الدستور قاعدة تشريعية لحياة المواطن وموجهاً رئيساً لهذه المؤسسات لكيفية التعامل مع حقوق وواجبات المواطن في دولة يحكمها الدستور الذي ما زالت دول كثيرة تطمح لإحقاقه وإقراره ومن ثم عندما تسلم المغفور له الملك الحسين – طيب الله ثراه، سلطاته الدستورية قام بتعريب قيادة الجيش وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية والتوجه نحو بناء القوة الذاتية للوطن في المجالات المختلفة حتى أصبح الأردن بإنجازاته الذاتية مثالاً يحتذى في الصبر والبذل والعطاء الموصول المتجدد.
وأما الجيش العربي الذي تتزامن ذكرى مرور مئة عام على إطلاق تسمية الجيش العربي عليه مع احتفال الوطن بذكرى استقلاله، فهو عنوان السيادة وحامي الاستقلال، فقد أولى جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية جل الاهتمام بالقوات المسلحة وتأهيلها وتدريبها وبتوجيهات ملكية يتطلع هذا الجيش مع كل مؤسسات الوطن ليصبح دولة الإنتاج والاعتماد على الذات وليتمكن هذا الجيش من ممارسة دوره وإنتاج احتياجاته بنفسه في هذا الوطن العزيز.
إنهم على العهد الذي قطعوه على أنفسهم بأن يبقوا الجند الأوفياء المخلصين للوطن والقيادة الهاشمية، وقد أُسس الجيش العربي منذ مئة عام على مبدأ النهضة وحمل أهدافها وغاياتها، وكان هذا الجيش منذ نشأته الأولى حريصاً على المساهمة الفعالة في بناء الدولة الأردنية وتعزيز قدرتها الذاتية، حيث شارك في بناء مؤسسات الدولة في مجالات التعليم والصحة وتعزيز آفاق التعاون والعلاقات الاجتماعية وبناء قدرات الإنسان وتأهيله وبناء الشخصية الوطنية الأردنية التي تنامت قدراتها ومعارفها مع تطور الأردن، لتميز هذا الإنسان بقدراته وعطاءه وولائه وإخلاصه للوطن وأمته.
ومنذ الاستقلال أثبتت قواتنا المسلحة الباسلة أنها درع الوطن والعين الساهرة على أمنه وكرامته، مستعينين بالإيمان والولاء والقوة التي تصنع الاستقرار والسلام، وتدافع عن الحق في العالم كله، وهي التي اكتسبت تقدير العالم وإعجابه في كل المهام والتمارين والتدريبات العسكرية التي شاركت بها قواتنا المسلحة مع الجيوش الصديقة والشقيقة، وما تميزت به من أخلاق سامية وكفاءة عالية في كل الظروف.
وفي ظل توجيهات جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة تسعى القيادة العامة إلى تحويل هذا الجيش إلى قوة عصرية ديناميكية قادرة على التعامل مع مختلف الظروف والتحديات والتخطيط لمستقبلها بكل ثقة وقدرة وكفاءة بما يتفق مع تطلعات القيادة الهاشمية، وبما يحقق تميز واحتراف هذا الجيش الذي يملك أفضل أنواع الأسلحة والمعدات، ويتمتع بكفاءة قتالية عالية اكتسبها من خلال التدريب المتواصل والتأهيل المستمر لمنتسبيه في شتى مجالات العلوم والمعرفة العسكرية والأكاديمية، وهو دائماً يسعى للأفضل ويتطلع ليجعل من الاستقلال مسيرة للخير والبناء والعطاء الذي لا ينضب.
وعلى نهج الهواشم يسير جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، في إكمال مسيرة الاستقلال ويواصل بناءه وسط إنجازات كبيرة مشهودة ومسارات واضحة وطموحات جاده وأفكار نيرة متزنة، نحو العلا والعطاء والتميز وتحقيق الآمال والتطلعات وبناء الإنسان الأردني وتمكينه، ليكون دائماً في الطليعة عنواناً ورمزاً للإبداع فالأردن اليوم وهو يحتفل بذكرى استقلاله، يعيش حالة من التماسك والتناغم التام ما بين القيادة والشعب في ظل أجواءٍ من الطمأنينة والأمن والاستقرار.
وفي الختام نترحم على بناة الاستقلال وحماته ونشد أزر المخلصين للعمل على تقديم كل الإمكانات واستثمار الجهود كي نقطف ثمار الاستقلال وانجازاته، وسيبقى الجيش العربي الأقرب إلى نبض الوطن والقائد ويقدم في سبيل أمن الوطن واستقراره وكرامة أهله قوافل الشهداء الذين تزين أرواحهم ودمائهم سماء وأرض الوطن عبر التاريخ الحافل بالمجد والحرية.
أدام الله على وطننا الغالي نعمة الأمن والأمان ودوام التقدم والازدهار وكل عام وأنتم جميعاً والأردن العزيز بألف خير.