البلديات... من نار الدمج السريع إلى جحيم الفصل المتسرع
لقد تم الخوض كثيرا فيما سبق عن تجربة دمج البلديات بالصيغة التي تم بها قبل حوالي العقد من الزمن ؟! وتساءل وما زال الكثيرون عن هذه التجربة هل حققت الطموح وحلت المشاكل أم فاقمتها وزادتها سوءا ؟!، وأنا هنا لن أتحدث عن الدمج ولكني سأتحدث عن الفصل الذي يتم هذه الأيام، وخصوصا أن لي تجربة عملية في بلدية اربد الكبرى ولمدة تزيد عن خمس سنوات، وأود أن أطرح سؤالا بسيطا بعيدا عن الإتهام والتخوين والفوضى والإعتصامات... سؤال أريد من حكومتنا الموقرة جوابا واحدا مقنعا وشافيا ووافيا، هل تم ويتم دراسة قرارات فصل البلديات بتمعن وروية؟! أم هل كانت الحكومة لينة جدا ومسرعة بل متسرعة لإرضاء الناس وتطييب خاطرهم لحضهم على المشاركة بالإنتخابات عن طريق فصل البلديات؟!... أنا لست مع الدمج ولست ضد الفصل ولكنني أحذر الحكومة من الوقوع بمطب العجلة والتسرع والذي سيكلفها هي أو من سيتبعها من حكومات الكثير الكثير، قرار الدمج جاء متسرعا ولم يراعي خصوصيات كل منطقة ولم يتم مناقشته مع شريحة كبيرة من أصحاب الخبرة والرأي والمشورة، ولا نريد أن يتم الفصل بنفس الطريقة.
من وجهة نظري إن قرار الفصل له تبعات أكثر من الدمج؛ لأن البلديات المفصولة أو التي أعلنت استقلالها جل موظيفيها تابعين لبلدية أخرى أو للبلدية الرئيسية التي كانت تابعة لها، وإن بعضا من موظفيها تم نقلهم للعمل بالبلدية الأم أو بلدية أخرى تابعة لها، ليست هذه المشكلة وحسب بل إن معظم هذه البلديات أصبح فيها موظفين يفوق حاجتها بكثير، فكيف ستحل مشكلة الرواتب؟، وكيف ستقوم بتقديم ما هو مطلوب منها من خدمات للمواطنين الفرحين بالفصل والمطالب بعضهم به؟، كان لزاما على الحكومة أن تتريث في قرار الفصل، فالإصلاح في كل الأحوال لا يعني أن نتسرع لنرضي كل من يعترض أو يحتج دون دراسة وروية، فقد كان أمام الحكومة خيار التريث وتأجيل الإنتخابات قليلا ودراسة كل الحالات المطالبة بالفصل ومن ثم تقرر أيا من هذه البلديات يستحق الفصل ومن منها قادرة على تحمل المسؤولية والقيام بواجبها تجاه المواطن وخدمة الوطن، أو خيار آخر وهو أن يبقى الحال على ما هو عليه ويتم خلال الدورة الإنتخابية القادمة دراسة شاملة وكاملة لكل ملفات البلديات التي تريد الفصل ويطبق هذا الفصل بعد ترتيب الهيكل الوظيفي ودراسة الوضع المالي لكل بلدية.
أتمنى على حكومتنا الرشيدة ألا تتسرع وألا تقوم بإرضاء بعض الأشخاص على حساب أمور لا يحمد عقباها مستقبلا، فلو أنها حرصت على إجراء انتخابات نزيهة تفرز أناس يحبون العمل ويسعون للخدمة وظلت مراقبه لعملهم لكان أفضل بكثير من قرار الفصل، فقرار فصل البلديات ليس عبارة عن كلمتين يقال بهما قررنا فصل بلدية الحصن مثلا عن اربد الكبرى، ولكن الفصل يتعدى هذا بكثير من التبعات المالية والإدارية، وفصل هذا العدد الكبير من البلديات وبهذه السرعة المريبة يدعونا للخوف من قادم الأيام، كنت أتمنى أن تتعلم الحكومة درسا مهما من عملية الدمج التي كان لها سيئاتها كما لها حسناتها، وأن تتعلم من التجارب، ولكن يبدو أن بعض المسؤولين في بلدي لهم الرغبة بأن يحدثوا جديدا ويكرروا أخطاء سبقهم إليها غيرهم وإن كان على حساب المواطن وإثقالا لكاهل الوطن.
حمى الله الأردن بلدي وهيأ لنا من أمرنا رشدا، وأعاننا على قول كلمة الحق دون المساس بهيبة الدولة أو تجريح أحد أو الجري وراء الشهرة على حساب تراب الوطن الغالي، فغاية ما نصبو إليه هو خدمة هذا الوطن والخوف على مقدراته، والحرص على حماية المواطنين وحفظ حقوقهم، أسأل الله العظيم أن يعين كل غيور على هذا البلد على تحمل المسؤولية والقيام بها على أكمل وجه إنه على كل شيء قدير.