الست الولية
عادة ما أذهب متأخراً لصلاة الجمعة حيث أنني لا أستطيع الجلوس كثيراً بسبب آلام الفقرات في عنقي وتخدّر رجلي ، فما أن دخلت مسجد أُحد حتى قام الأمام الشاب لخطبة الجمعة ، وولج في موضوع الهجرة النبوية بعد الحمد لله رب العالمين والثناء والصلاة على رسوله الكريم ، وبدء بهجرة المسلمين الاولى والثانية الى الحبشة وثم عرج الى هجرة الرسول الى الطائف والى المدينة المنورة ، وكيف حزن الرسول لترك أم القرى مكة المكرمة عليه الصلاة والسلام ، وكيف عاد رسول الله فيما بعد فاتحا لمكة على رأس جيش جرار تعداده عشرة الاف مسلم يقوده خالد بن الوليد سيف الله المسلول بعد أن كان آلد أعداء الاسلام والمسلمين ، وما بين الهجرة وفتح بكة ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن، تململت كثيرا وخانتني فقرات عنقي فآلامها لا تطاق, وتنمل رجلي جعلني أجمع أطراف جسدي المنهك واتكئ على يدي حتى أستطيع اخيرأً الوقوف على قدمي لأقوم للصلاة .
كثيراً ما نصحتني زوجتي بالجلوس على الكرسي للصلاة بالمسجد لكن كعادة كثير من المتقاعدين دائماً أكابر، وما أن إنتهت الصلاة حتى خرجت من المسجد لأسمع كالعادة صوت الولية اياها تولول وتغلظ في قسم الإيمان ( والله العظيم أرملة، والله العظيم عندي ستة أيتام أطفال ، والله العظيم ما عندي صوبة كاز) وتعيد تكرار الأسطوانة وتبكي وتتأوه وهي تتلفع بعباءة ونقاب كالحصن المحصن لا ترى من خلالها شيئا.
كثيرا من عباد الله الصالحين والمؤدين لصلاة الجمعة الطالبين للمغفرة تصدقوا عليها بل اغدقوا بالعطاء فامتلأت اوداج الجرابة التي تحملها الولية مثل كل يوم جمعة فهي زبونة شبه دائمة بينما وقفت اقصى طرف درج المسجد على اليمين أحاول ان أجد حذائي وبحثت عنه في كل مكان وهو بجانبي وأمام عيني .
فكنت أتلكأ وعن قصد أو كما يقال لغرض في نفس يعقوب لبست أخيراً حذائي ومررت من أمام الولية، ومددت يدي في جيبي عساها تخرج ببعض النقود ، لكن لا قلبي حن ولا يدي خرجت بالنقود ، فاستغربت الأمر فعادة قلبي رهيف ويرف لأقل نسمة، ويدي عادة تعطي بالخير دون أن تعرف ما تعطي ، لم يطل الوقت طويلا حيث مشيت ويدي في جيبي وفي خلدي يدور شيء بل أشياء متضاربة ، وقفت خارج المسجد في ركن متوارياً حتى خرجت الولية ، وابتعدت عن الجامع، وأخذت اتتبعها وأراقبها عن بعد ، فالولية حذرة جداً وبين كل خطوة وأخرى تنظر خلفها لكن بعد أن ابتعدت واطمأنت ولم تلاحظ أن أحداً يتعقبها كشفت النقاب عن وجهها المكتنز الذي لا علاقة له بغليظ الايمان ولا بالستة أيتام ، وأخرجت هاتفها الخلوي من ثنايا جلبابها واتصلت ثم أخرجت قنينة عطر وتعطرت .
(لا أريد أن أظلم الولية ، عفواً الخانم ، فلم أستطع معرفة نوع عطرها هل هو شانيل أم كريستين ديور ) واتجهت الولية الملزلزة مسرعة الى دخلة خلف الماكدونالدز ثم من الدخلة الى شارع عبد الله غوشة وكانت هناك سيارة مخصوص تنتظر الولية ، عفواً تنتظر الست .....