الزواج العرفي ....
يعتبر الزواج الشرعي بين الرجل والمرأة هو الأساس الذي تقوم عليه الأسرة وهو ليس العلاقة المحدودة بين الزوجين والأبناء فقط بل تمتد إلى العلاقات الناشئة عن هذا العقد كالمصاهرة والنسب والرضاعة والذي يترتب عليه حقوق وواجبات شرعية مادية كالميراث والمهر والنفقة أو معنوية كالمعاشرة بالمعروف والبر .
وكل هذه الحقوق تقوم على أساس ديني وأخلاقي حيث أمر الله سبحانه وتعالى الرجال أن يتقوا الله في النساء وأمر النساء بحفظ الأمانة الزوجية المتمثلة بطاعة الزوج وحفظ ماله وعرضه وهذا كله يدلل على قدسية الزواج ( كرباط مقدس ) والأساس في بناء الأسرة هو التراحم قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوه إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) فالعلاقة ليست علاقة تعاقدية قانونية فقط بل أساسها أعمق من ذلك وأن ما طرأ على المجتمع الإسلامي من تحولات ثقافية وسياسية واقتصادية نتيجة الانفتاح الهائل على المجتمعات الأخرى ، فقد ظهرت بعض الاختراقات لمفهوم الزواج والاسرة تهدف إلى إشباع الرغبة بعيدا عن تحمل المسؤولية كالزواج العرفي والذي تعتبره الغالبية العظمى غير شرعي والدليل على ذلك انه مازال سري ومحل جدل .
فالزواج العرفي شكل من أشكال العلاقات التي تنتشر ويكثر الحديث حول مدى مشروعيتها والمتتبع لقصص الزواج العرفي يجد أنها تنتهي نهاية مأساوية بحيث تكون المرأة هي الضحية إما بقتلها من قبل أهلها بعد اكتشافهم لمثل هذا الزواج أو بضياع حقوقها كزوجة.
القانون لم يتطرق إلى موضوع الزواج العرفي وإنما جاء قانون الأحوال الشخصية ونظم عقود الزواج وشروطه ورتب على مخالفة هذه الشروط عقوبات الهدف منها حماية حقوق الطرفين سواء الرجل او المرأة فقد نصت المادة 17 من هذا القانون على ضرورة مراجعة القاضي الشرعي أو من ينيبه من اجل إجراء عقد الزواج بموجب وثيقة رسمية بحيث يعاقب العاقد والزوجين والشهود عند إجراء عقد بدون وثيقة رسمية أي يتم إجراء العقد بصورة لا تتفق مع قانون الأحوال الشخصية فقد نصت المادة 279 من قانون العقوبات الأردني على عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وغرامة 100 دينار .
كما أن المأذون الذي لايسجل العقد في وثيقة رسمية فيعزل من وظيفته بالإضافة إلى العقوبات المذكورة.
القانون كان واضح وصريح ويتساءل البعض على انه في زمن قريب لم يكن هناك محاكم ولا تنظيم لعقود الزواج فكيف كان التعامل معها سابقا؟
فأجيب انه يمكن ان تحدث الآن أن يتم تزويج رجل وامرأة بإيجاب وقبول وحضور الولي وشهادة الشهود دون أن يتم توثيق هذا الزواج في المحكمة فان مثل هذا الزواج فقد ركن شكلي ويمكن تثبيته فقط بمجرد حضور الزوجين والشهود والإقرار بالاتفاق على الزواج وهو مايسمى ( دعوى تثبيت زواج ) ولا يمكن لأي من العاقدين انكاره خاصة مع وجود أطفال وهذا يحدث أحيانا عند البدو الرحل أو من يجهلون ضرورة توثيق العقد .
في حالة أن تم الزواج عرفي فان الزوجة تقيم دعوى إثبات زواج فان أنكر الزوج زواجه منها فيجب أن تثبت حصول هذا الزواج بكافة طرق الإثبات وإلا خسرت الدعوى وفقدت كافة حقوقها المالية الناشئة عن العقد وفي حالة أن اقر الزوج بهذا الزواج فيبقى نفاذ هذا العقد موقوف على موافقة ولي الزوجة فان لم يوافق فيفسخ العقد وتبقى كل إثارة بحيث يثبت النسب وتثبت لها كافة حقوقها وذلك كون موافقة الولي شرط من شروط صحة العقد.
والملاحظ أن القانون عالج كافة الثغرات التي يمكن أن يقع فيها العاقدين واوجد لها الحلول أما بالنسبة للزواج العرفي فان الشبهات التي تدور حول مدى مشروعيته والهدف منه والتطبيق العملي له فقد أدى إلى حالة جدلية تجعلنا كمجتمع نرفضه فقد نقبل زواج المرأة بموافقة أهلها وإشهارها لهذا الزواج بدون أن توثقه بالمحكمة طالما انه هناك النية الصادقة بجعل الزواج دائم وتحمل تبعاته من قبل الطرفين في حين نرفض الزواج العرفي المتسم بالسرية والهدف منه مرحلة مؤقتة من اجل إشباع رغبات كامنة تحت ستار الزواج وبالتالي سلب لقدسية هذا العقد .
إليكم هذه القصة التي حدثت في أروقة المحاكم وكان ضحيتها رجل نتيجة الزواج العرفي \" رجل عجوز أرمل عنده بنات يعشن معه في نفس المنزل وجد في الشارع فتاة تبكي ويدل مظهرها على أنها بنت ناس فعطف عليها وأخذها لمنزله لكي يحميها وبعد أن عرف أنها تشاجرت مع زوجة أخيها وطردتها شفق عليها وطلب منها الزواج فوافقت وأخبر الجميع أنه تزوج والناس باركوا له هذا الزواج وعاشت معه كزوجة وكل ذلك دون أن يوثق العقد بعد مدة اختفت وهربت مع قريب له فرفع عليها دعوى لأنها زوجته فأنكرت هذا الزواج وقبلت أن تعترف بالزنا ولا أن يسجل عليها دعوى تعدد أزواج فخسر الرجل دعوته بمعنى أن عدم توثيق العقد قد لايكون من مصلحة الرجل وقد روى هذه القصة القاضي الذي نظر بدعوتهم \" .