" التراكتور "
مرت سنوات طويلة لم أرى فيها "تراكتور " ، لكني أمس رأيته ، وعدت معه الى الوراء كثيرا ، الى الزمن الزراعي الذي لم يغب عنه " التراكتور " ، ليس هذا فحسب ، بل الى زمن الطفولة أيضا .
ففي الطفولة كان منظر "التراكتور " ، "هجنة " بالنسبة لنا نحن الأطفال أنذاك ، فما أن نراه حتى نلحق ونتعلق به ، " والمسعد " من يحظى بفرصة ركوبه ، ذات مرة ونتيجة الحاح وترجي ، وافق السائق على ركوبي معه ، في الحقيقة كان شعورا يوحي بالبهجة الممزوجة بالغرور والتباهي كلما مررنا من امام أقراني من الصبيان ، على كلا ركبت وقتها ولم يبقى الركوب عالقا في نفسي .
في ذلك الوقت كان جدي ما زال يتسعمل المحراث البدائي ، في حراثة بستانه وأرضه ، وقد كان يعاني وهو يجوب الأرض ذهابا وايابا وهو ممسك السكة بيد ، والرسن بيد أخرى . والعرق يتصبب منه من كل مكان ، علمني وقتها ان البراعة تكمن في طريقة السيطرة على السكة والرسن في وقت واحد .
ذات مرة ولصعوبة الأرض المراد حراثتها وكبر مساحتها كان عليه ان يستعين "بتراكتور " / محراث آلي حديث / ، وقد استأجر وقتها واحدا ، كانت تلك المرة الاولى التي أرى فيها "التراكتور " عن قرب ، والمرة الاولى التي أركب بها عليه ، المهم وفي زمن قياسي وبأقل نسبة عرق ممكن ، تم حراثة الارض ، بعدها اعتاد جدي عليه ، وأظن " الحمار " وقتها كان مبتهجا لتقاعده عن هذا العمل الشاق .
لكن وفي مرة من المرات ولصعوبة الارض ووعورتها ، وعدم قدرة "التراكتور " على الوصول اليها وحراثتها ، كان لابد ان يتم تحضير "الحمار " ، واخراج السكة ، والعودة الى الحراثة البدائية .
أخبرني وقتها جدي ، ان "التراكتور " يوفر الوقت والجهد على عكس الحراثة البدائية بواسطة "الحمار " ، كما ان طبيعة الارض ومدى وعورتها هي التي تحدد الوسيلة والطريقة في الحراثة ، كما علمني أيضا ان البراعة والسيطرة والتحكم لا تكمن في الوسيلة والطريقة فقط أنما تكمن في الحراث نفسه " فليس كل حراث حراث " .
نصيحة لدولة الرئيس ، انت قادم على أرض وعرة وتحتاج فعلا لحراثة ، لذا عليك أن تحدد الوسيلة والطريقة المناسبة ، واظن فيك من البراعة والسيطرة ما يغني عنه الكلام .
وعذرا سيدي الرئيس على التشبيه ، فهكذا نحن أبناء الحراثين ، عقولنا وذهننا معلق بالحراثة .