من حق المراقب أن يتسائل
من حق المراقب أن يتسائل لماذا تجاهل رئيس الحكومة الجديد عون الخصاونة الأحزاب الوطنية ، وهل كان يكفي مجرد مشاورات سريعة مع ممثلي الأحزاب ، ولماذا كل هذا " الكَرَم " مع الحركة الاسلامية ؟
أن كتاب التكليف السامي كان واضحاً حين نص (أقتبس هنا الفقرة التالية ) :-
" إن ثقتي بك كبيرة يا دولة الأخ, وإنني بانتظار تنسيبك بأسماء زملائك الوزراء, وذلك بعد إجراء المشاورات الضرورية مع مجلس الأمة والأحزاب والقوى السياسية المختلفة, وضمن إطار زمني معقول, التي تمكنك من اختيار ذوي الكفاءة والخبرة الملتزمين برؤيتنا الإصلاحية الذين سيشاركونك حمل أمانة المسؤولية " _ انتهى الأقتباس_.
وتساؤلاتنا هذه ليست من قبيل اتهام هذه الحكومة بالتقصير قبل أن تبدأ أعمالها ، فالمسؤولية الوطنية تفرض علينا أن نترك لهذه الحكومة الفرصة لتثبت قدراتها في ترجمة خطاب التكليف السامي والذي يشكل بوصلة عمل وخطوط عامة لبرنامج اصلاحي مطلوب وضروري ، لكننا نطرح تساؤلاتنا الآنفة من قبيل الحرص على تعزيز البرنامج الحكومي برؤية الأحزاب لطبيعة المرحلة ولآفاق الاصلاح والانتقال الى مجتمع ديمقراطي منفتح تحلّ فيه العدالة مكان المحسوبيات والفساد .
فهل يجوز أن تبقى سياسات الاسترضاء والتنفيع ونحن نطالب جميعاً ، قيادةً وشعباً بالاصلاح ، وهل يجوز أن يعتذر الأب عن المنصب الوزاري ليؤول المنصب بقدرة قادر للابن ؟ وأن يتم زجّ اسماء في الفريق الوزاري لأن هناك مراكز قوى دفعت بذلك ، في الوقت الذي بادر الرئيس المكلّف بالتصريح بأن فريقه سيكون بعيداً عن تلك المراكز وضغوطاتها !! فهل يعكس هذا التشكيل أن للرئيس كانت له الولاية العامة فيها ؟!!
لقد التقى دولة رئيس الوزراء بالحركة الاسلامية يوم الخميس الماضي ، لاقناعهم بالمشاركة في الفريق الوزاري الذي يقوده الرئيس ، ولكنه لم يفلح في ذلك ، لأسباب تتعلق بالحركة الاسلامية نفسها ، وعاد والتقى بعد ثلاثة أيام من لقاءه بالحركة الاسلامية وقبل يوم واحد من التشكيل النهائي للحكومة مع ممثلي لأحزاب اليمين واليسار والوسط لمدة لاتزيد على ساعة ونصف ، وكلاً من هؤلاء التقاهم رئيس الحكومة على حدة ، مما يعني أن رئيس الحكومة تعامل مع الأحزاب حسب ما هو شائع : رفع عتب !!
لقد أضحت الأحزاب السياسية الأردنية قادرة على فرض حضورها في المشهد السياسي العام ، وأضحت رديفاً لصانع القرار لكونها تمثل بيوت فكر وخبرة وطنية حقيقية . ولم تعد هذه الأحزاب مجرّد يافطات ودكاكين كما يظن كثيرون ، هذه الاحزاب أضحت فاعلة وفيها خيرة من أبناء الوطن ممن عركتهم التجربة والخبرة ، فهل يعقل أن يتم استبعاد هذه الأحزاب من التشكيلة الحكومية في الوقت الذي يدعو فيه الجميع الى اعطاء الأحزاب فرصة صناعة القرار لأنها مصدراً لايصال رؤى الجماهير وقضاياها ، وللأسف فان الذين تم اختيارهم من الحزبيين في هذه الحكومة كان بناءاً على اعتبارات مناطقية وليس على اعتبار حزبي !!
لم نكن نرغب في أن يتجاهل رئيس الحكومة المكلّف هذه الأحزاب ، ولم نكن نرغب أن يضع الرئيس المكلّف رهانه على حزب دون أخر ، لأنها جميعها أحزاب تعمل تحت مظلة الدستور وفيها كوادر سياسية مؤهلة لتقديم رؤى تخدم عملية الاصلاح المنشودة ، كان يجب على الرئيس المكلّف فتح قنوات مفتوحة مع هذه الأحزاب واعطاءها فرصة لتقديم برامجها التي تأمل من الجماهير دعمها والالتفاف حولها .
لم نكن نرغب كل هذا التجاهل ، من هذه الحكومة ومن الحكومات التي سبقتها ، لكننا نرغب أن تنجح هذه الحكومة في دفع مسيرة الاصلاح الى الأمام ، وأن لا تبدأ في ذلك من المربع الأول ، عليها أن تبدأ من حيث انتهت ورشة الاصلاح التي يرعاها الملك ويقدم لها كل الدعم ، لأن الوقت ليس في صالحنا ، فالمحيط مضطرب وعلينا أن نحزم ونحسم قضايانا بكل جرأة وموضوعية وحس وطني .