هل اقتربت ساعة الصفر..؟
لا بد أن الجميع يشعر بفترة المخاض العسيرة والقاسية التي تعيشها المنطقة والعالم.. وهناك من الأنظمة من سلم بنتائجها مباشرة ويعمل على تهيئة نفسه لها بصمت وهناك من الأنظمة من لم يستوعب أو لم يصدق أو لم يرغب بأن يصدق بان الوضع بات اقرب للانفجار العالمي، فمن الصعب جدا الاتفاق على أن المجريات الفاعلة في الحاضر القريب ما هي إلا مجريات مرتبطة ومتتابعة معا.. وعليه لا بد بالنظر إليها كأفعال وردود أفعال أولا ووضع الافتراض الأول بوجود مطبخ ما أو مطابخ خلفها..
فالأحداث المتسارعة الحالية يبدو واضحا التسابق الحميم بين مراكز القرار الغربية والصهيونية على الإشارة بقرب مهاجمة المشروع النووي الإيراني حيث أفاد رئيس الكيان الصهيوني (شمعون بيريز) يوم الجمعة أن اللجوء لخيار عسكري لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية قريب..، ذلك التصريح أتى بعد يوم واحد خبر صحيفة (الديلي ميل) التي أشارت فيه بأن بريطانيا والولايات المتحدة تضعان خططا مشتركة لضرب إيران، وكذلك بعد أسبوع من نشر صحيفة (نيويورك تايمز) بأن الولايات المتحدة تدرس بناء وجودها العسكري في الشرق الأوسط وتخطط لإرسال مزيدا من السفن الحربية الى الخليج العربي.
قد تشير جميع الأمور الى مشروع حرب طويلة الأمد في المنطقة وليست عمليه سريعة كالعملية التي نفذها الكيان الصهيوني على مفاعل تموز أو المفاعل السوري.. وهنا علينا أن نتساءل لماذا الآن.. ولماذا تركت إيران هذه المدة الطويلة ومنحت هذه الفرصة للوصول الى المرحلة المتقدمة وربما الى مرحلة الإنتاج الفعلي والتخزين الآمن للذخائر النووية..؟!.
ولماذا تعطى إيران الإنذار تلو الإنذار وكذلك الفرصة بمعرفة النوايا الغربية في حين لم تعطى هذه الفرصة والإنذارات لمفاعل تموز مثلا..؟!.
ولماذا أتت هذه التهديدات في الوقت الذي يعاني النظام السياسي والاقتصادي الإيراني الداخلي من مشاكل معقدة وصراعات على السلطة قد تؤدي الى انهيار النظام (الثوري) الإيراني برمته، وكذلك وهي تحت التهديد المتصاعد بربيع مشابه للربيع العربي في الأحواز العربية وكردستان وبلوشستان المحتلة، وكذلك وهي تعاني من بدء فقدان أذرعتها الإقليمية مثل النظام السوري وحزب الله الذي فقد بريقه والمالكي الذي انكشفت تبعيته..؟!
ولماذا لم تقم الولايات المتحدة بتصفية حساباتها مع إيران (في حال وجود حسابات مفتوحة بين الطرفين) في العراق حيث كانت وما زالت إيران شريكتها في المنطقة الخضراء الحاكمة في بغداد.. وقبل أن تبدأ الانسحاب التدريجي منه وتخسر أطول جبهة مفتوحة معه هي الجبهة العراقية والتي دفعت الثمن المر للحصول عليها..؟!
قد تبدو إحدى هذه التساؤلات أو كلها سوء ظن في الطرف الأول أو في الطرف الثاني أو في كلا الطرفين ولكن علينا ربط ذلك كله بدخول الغرب السريع في مرحلة الركود العالمي المشدد والذي يفوق ركود القرن الماضي في عام 1929 انتهت قبل يومين قمة العشرين في مدينة (كان) الفرنسية بفشل ذريع حيث لم تستطيع الاتفاق على دفع دولار واحد في ميزانية أي من الدول الغربية المتضررة من الأزمة العالمية الخانقة..هذا الركود المتوقع وبقوة سيعني انهيارا كامل للمنظومة الرأسمالية بما فيها أوروبا وأمريكا والكيان الصهيوني القاعدة المتقدمة للغرب.
وفي المقابل فأن الانهيار الاقتصادي والأخلاقي والعقائدي الإيراني المتصاعد وقد وصل مرحلة الانفجار في الطرف المقابل.. حيث أن فضحية اختلاسات المليارات الإيرانية طالت رموز الدولة الفارسية مما ساعدت في تسريع الانهيار القائم أصلا في إيران والذي برز من خلال المشروع التوسعي الذي انطلق بحجج عقائدية وأخلاقية ضبابية هشة لتصطدم بعد حين المنطقة المحيطة ومكونات إيران الديموغرافية بفراغ وجشاعة هذا النظام وسقوط أركان وأسباب وجوده ركنا تلو الآخر.
من يعلم ذلك لا بد أن يفهم أن هذه الانهيارات المتوقعة للمنظومة الغربية والفارسية تعني بالضرورة إعادة ترتيب موازين القوى لصالح الدول الأسيوية مثل الصين وروسيا وكذلك الوطن العربي في حال استغلال الحالة الغربية وانقشاع تأثيراتها الاستعمارية المستمرة ليتم البدء في إعادة الاستثمار في الأصول والصناعة والزراعة والعلوم المحلية والعالمية.. لتعني كذلك إحياء للمشاريع القومية العربية وخاصة بعد ربيع الثورات العربية التي أطاحت وما زالت قائمة على زلزلة عروش جمهوريات الموز الكرتونية.
وهذا ما أدركه الفريقان المؤهلان للانهيار والذين لا يبدو أنهم سيستسلمون للانهيار الحتمي لمشاريعهم.. مما يعني اتفاقا ضمنيا بينهم على إعادة خربطة الأوراق بالمنطقة لصناعة الحرب العالمية الثالثة التي ستكون بجلوس الفريقين المتنافسين على جهاز (بلي ستيشن) واحد لإحراز الأهداف التي ستنتهي بدق الأنخاب بينهم مهما كانت النتيجة.. فالهدف واحد، والمهم بالنسبة لهم الخروج من شبح الانهيار والتلاشي بصناعة الشرق الأوسط الجديد الذين سيتقاسمونه بهذه اللعبة.