المالكين والمستأجرين...الطريق تحت الانشاء!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في الوقت الذي كنت أكتب فيه هذا المقال الذي يحتوي على بعض من الحقائق العامة وبعض من تجاربي الخاصة قرأت خبراً مفاده أن مجلس النواب الموقر قد أقر تعديلات قانون المالكين والمستأجرين ( أو قانون المالكين/الماكرين - المستأجرين/ الماكرين) حسبما يرى كل طرف الطرف الاخر من المعادلة، وقد رأيت في هذا القانون قليلا من العدل ممزوجاً بالاسترضاء لجميع الاطراف حتى لا تدخل البلاد في مشكلة جديدة قد تكون أكبر من النطاقات العشائرية والمناطقية والفئوية...وأكثر انتشاراً منها جميعا، إذ أن الأردنيين في جميع مناطق المملكة إما مستأجرين أو مالكين، والمستأجرون منهم يرون أن لهم حق توفر السكن من الدولة- والدولة تريد أن ترمي هذا الحمل على المالكين- ومستأجرون آخرون (في القطاع التجاري) يطمعون بخفض تكاليف الانتاج مقارنة بسعر البيع لرفع الارباح، وهذا حقهم طالما أنهم لا يعتدون على أموال وحقوق غيرهم من الناس.
لو ذهبنا الى أبسط مبادئ الملكية وعقود الايجار لوجدنا أنها وبكل صراحة لا تأذن بسلب حقوق الناس في التصرف في أملاكهم بحرية وأنها تتضمن انهاء الاتفاق بشرط جزائي او بشروط منصوص عليها في القانون، اذ ان كافة العقود ان كانت عقود عمل ( تأجير خدمات الموظف للشركة ) أو عقود تأجير سيارات سياحية أو عقود ايجار عقارات تحمل مبدأ النهاية في الأجل – الا في القانون الذي كان سارياً في الاردن- ولا تحمل في طياتها توريث العقد للأفراد (او الشركات التي تزول عنها صفة القانونية في حالة موت أحد الشركاء)، مع وجود بعض الضوابط الحكومية لضمان الجودة وحرية الحركة التجارية التنافسية العادلة لضمان عدم الاحتكار والغلاء نتيجة طمع بعض الملاك، او وضع اليد على أملاك الاخرين بحجة طلب الرزق او الحاجة،لان في هذا اختيار ظالم لفئة من المجتمع لتحمل ما هو في الاصل عبء الدولة وكامل مؤسسات المجتمع ، الا وهو غلاء الاسعار ومستوى المعيشة.
إن جميع أنواع التأجير كما أسلفت مصيره الحقيقي – بوجود بعض الضوابط - هو النهاية ، فالموظف له الحق بالاستقالة والتبليغ قبل مدة محددة بالقانون ولا يحق للمدير ابقاءه رغما عن ارادته ، كما يحق للمدير انهاء خدمات الموظف بتعويض محدد بالقانون ، وان مات الموظف فإن المدير لا يجبر أبناءه على العمل عنده، وان مات المدير فإن ورثته لهم الحق باختيار الكادر المناسب وتعويض المفصولين حسب القانون...وكذلك الحال في تأجير السيارات السياحية فإيجارها ليس دائماً ولا يورث ولا يؤخذ فيه حق المالك عنوة (مع العلم ان الكثيرين يستأجرون السيارات السياحية إما للحاجة لسيارة أو لعمل حولات سياحية للأجانب) حسب حاجات وطلبات المستأجر.
اذاً فلماذا التحيز ضد ملاك العقارات؟ الاجوبة كثيرة ، والحلول التي تضمن استقرار المجتمع ليست بالضرورة عادلة، ولكن على القانون أن يتقدم بإتجاه العدالة خطوة خطوة على الاقل، حتى لا يبقى الظلم جاثما على فئة، وحتى تبدء الفئة الاخرى بالتكيف مع التغيرات المتدرجة، وعلى ذلك فإن أي طلب لتغيير جذري سريع سيتسبب في مشاكل إجتماعية جديدة، وأي توقف عن إصلاح القانون وتحقيق العدالة هو خطر كبير على مبدأ الدولة والحكم....فالعدل أساس الحكم وسنده.
إن قانون المالكين والمستأجرين بما يحمله من ايجابيات وسلبيات بحاجة الى دراسة من جميع الاطراف ، لان الظلم في أي مكان هو خطر على العدالة في كل مكان (كما قيل) ، وعلى هذا القانون أن يجد في نفس الوقت سنداً له في الاجراءات القضائية الفعالة والسريعة لحماية أي طرف سواء أكان المالك أو المستأجر، وهنا أقص قصة من الواقع الذي أعايشه، ففي يوم من الايام رفض أحد المستأجرين عندي دفع الاجرة ، وبعد سنة وبضع أشهر من الانذرات ورفع دعوى في المحكمة و بعد الاستئناف شاء المولى عز وجل أن يتوفى ذاك الشاب (رحمة الله عليه) قبل تنفيذ الاخلاء، وكونه لا يملك ورثة فأهله لم يصدروا حجة حصر ارث ولم نتوصل الى اتفاق (والقانون لا يجبرهم على اصدار هذه الحجة فغاب الطرف المراد تبليغه)، فأصبح المحل لا موجراً ولا متاحاً بسبب غياب الالية القانونية التي تعالج هذه المواقف...وله الى الان ستة أشهر متوفى دون أن تحل إشكالية كيفية التبليغ بإخلاء المحل...مع العلم أنه في هكذا حالات في بلدان أخرى (كندا مثلا ) ، يصبح البلاغ غيابياً وعندما يأتي المستأجر للمحل الذي تم اخلاءه بواسطة الشرطة، يسلم قرار المحكمة ويحق له الاستئناف وطلب التعويض ان كان له حق، أما هنا في الاردن فالاجراءات القضائية تلزمك أن تبحث عن المستأجر اذا هرب حتى تبلغه، وان لم تجده أصبح ملكك خراباً...فواجب البحث محصور في المالك كأنه رجل أمن ، وأما شكاوى المستأجر فهي تجاب بحكم وجود مكان تبليغ (الا وهو عقار المالك)...اذاً فحتى لو وجد نص القانون التشريعي السليم دون قانون إجرائي قضائي سليم فإن الحقوق ستبقى مهضومة، ولكنها ستصبح أكثر حصرية بفئة معينة.
ان قانون المالكين والمستأجرين هو تحدي للمجتمع قبل أن يكون تحدياً للحكومة، لان خطوط التماس ليست بين الاحزاب والنواب، بل بين الانسان وجاره...فإذا لم يقتنع المستأجر بحتمية نهاية العقد، واعطاء بدل مناسب للإيجار(تبعاً لمعدلات التضخم) للمالك ، وبأن حقه في ايجاد السكن هو واجب الدولة لا واجب الفرد، وان التجارة هي الاتفاق بين الطرفين...فإننا سنبقى ندور في حلقة ستتسارع لتلقي كل فئة من المجتمع في مجرة أخرى...وهذا الانفصال الذي نخاف على المجتمع منه وهذا هو التحدي.
وكذلك الحال بالنسبة للمالك، فعليه أن يدرك أن الاخطاء في المجتمع لا تصلح في لحظة، وأن تبعات المطالبة بالاصلاح السريع (التيك اوي) ستنتهي بضرر أكبر من فائدتها اذا كانت الدولة تمر أصلاً في أوقات صعبة اقتصادياً وسياسياً....فالعدل بحاجة لوقت حتى يترسخ، والتكافل الاجتماعي والتفاهم هو الخطوة الاهم في هذه المعادلة حتى تنتج نتائج طويلة الامد ، وحتى نحافظ على المجتمع وعلى الوطن حتى لو خسرنا من مالنا الى حين...فإن ثقتنا - وان كانت في الرمق الأخير – لا تزال موجودة في الدولة الاردنية الحديثة التي ستقدر أن تعدل بين الناس وتجمع الجميع بكلمة حق لا يتخلف عليها أحد إن كان صادقاً ومحباً للوطن.
قد كتبت هذا المقال وأنا أشعر بالضيق لأجل عدم نفعية استثماري في العقار مقارنة بمتطلبات الحياة في الاردن، وكتبته وأنا عندي أيضاً تعاطف مع المستأجر، لأني كنت مستأجراً يوماً ما بحسب القانون القديم (الذي كان يشعرنا بالامان ولكن على حساب الطرف الخاطئ،اذ ان هذا حمل الدولة في شتى نواحي الحياة ان كان من محروقات وانشاء وزارة للتموين وحفظ حقوق العمال وغيرها... لا حمل المالكين للعقارات فقط)...ولكني الان مستأجر بحسب القانون الجديد ومالك عقار في نفس الوقت وادرك ما لي وما علي في تعاملي مع المالك والمستأجر... فالعقد شريعة المتعاقدين والعدل مبدأ لا يبرر إهماله اي سبب والرحمة أن تحب لغيرك ما تحبه لنفسك!!!