«عبله أبو نوار»
تكتب لنا الولادة وأريحية الحياة.. ولكن وفي غفلة لم نحسبها نجد الحقيقة المُرة، لقد ربحنا صداقة طفولة ما بعدها صداقة، وأتممنا معاً مشوار الشباب.. كسبنا بعض العلوم والمعارف، وشاهدنا بلاد الدنيا.. وغرزنا في أطفالنا ما تقنا اليه منذ أن عاركتنا الحياة.. أنتِ في مجالك الحيوي النشيط.. مع الشباب والشابات، وأنا في مهنة لا تعرف التوقف.. ولكن انتصر عليك الزمن، وهذه حتمية لا مناص منها.. اللعبة.. هي هي.. مع الكل دون حساب مع أيٍ كان.
الزمن ليس له صاحب، ولا صديق ولا رفيق، ولا أخ ولا حبيب.
كنا أربع صديقات، لا تبتعد بيوتنا عن بعض سوى أمتار محدودة، وكان موقف باص العبدلي الأخير يقف أمام بيتكم.. حياتنا مليئة بالبساطة والعفوية، مفعمة بالحيوية، كنا نظن أن العالم ملك لنا، ضحكاتنا البريئة تحوم حولنا، نزهاتنا البرية وذاك «السبت القش» الذي يحوي ساندويتشات وبعضاً من فاكهة الموسم، يرافقنا في جولتنا يوم العطلة من على باب قيادة الجيش لسماع تلك الألحان الوطنية، ومشاهدتنا لوصول المغفور له الملك حسين، أثناء تفقده الحرس.
«سناء حابس المجالي».. الرفيقة الثالثة لنا، كنت واياها الماهرتين في ركوب الخيل، والصديقة الرابعة «نيرمين حربي»، وغرفة الألعاب أمام منزلهم التي كنا نقضي الساعات الطوال في داخلها.. أيام العطلة الصيفية.
أذكر أن لكل واحدة منا كان لها طموحاً، حققت ما كانت تتمناه، أو جزءاً منه، فنرمين كانت الطبيبة أثناء اللعب، وفعلاً أصبحت. وسناء ابنة قائد الجيش في ذاك الوقت حققت حياتها التي اختارتها وأثبتت أنها أما صالحة لأبناء وبنات ناجحين في حياتهم.
أما (أنت) عبلة «الشعلة»، دائمة الحركة والنشاط تحب المساعدة، تهوى العمل التطوعي.. وكانت قائدة لنا في المسير من جبل اللويبدة وحتى الدوار الأول جبل عمان. وقائدة لنا أثناء ركوب الدراجات الهوائية، التي كنا ندفع عشرة قروش لاستئجارها ساعة من الزمن، وهي المخطط لكافة برامجنا الطفولية.. وأصبحت فعلاً قائدة الكشافة والمرشدات، ويعرفها الصغير والكبير في الأردن والوطن العربي وحتى العالم.
ما كتبته ما هو الا بعضاً من دفتر الأيام لأضمد جراحي، بفقدان غالية عزيزة، صديقة حميمة، خبر رحيلها نزل على رأسي كالصاعقة، فقدتها في غمضة عين.. ودون انذار مسبق.. لم يبق لنا يا صديقاتي الاثنتين الا فتح أرشيف الذكريات، واللقاء المتجدد قبل أن يغدر بنا الزمن.