رؤى مختلفة بعدد زوايا النظر
في صباح الأحد 4/12/2011 أثناء سفري إلى بغداد وعند اقترابنا من تقاطع الدورة،كان المذياع مفتوحا على إذاعة صوت العاصمة التابعة لأمانة بغداد ،والتي كانت منهمكة في الحديث عن استجواب النائب شيروان الوائلي ،وكيف أن ملاحظات النائب سوف تؤثر على حركة الاستثمار وتسد من شهية الشركات الاستثمارية،وجهدت نفسها في وصف الأسئلة الموجهة للامين بأنها اتهامات لا تستند إلى حقائق.
في هذه الأثناء، ظهرت مقتطفات أخبار وكان احدها أن جهة معينة لا اذكر عنوانها اختارت مدينة بغداد كواحدة من مدن العيش المفضل أو من أفضل مجموعة مدن يفضل فيها العيش،فانفجر الراكبان اللذان بالخلف بالضحك والاستهزاء،قائلين: نعم من أفضل مدن العيش لكهربائها التي لا تنقطع وشوارعها النظيفة ومرافقها السياحية ونظامها المروري الجيد والأمان،وقاموا يعددون باستهزاء قائلين:نعم بغداد في ظل أمانة العاصمة الحالية سوف ترشح كأفضل مدينة في العالم.
مع هذا الصالون السياسي المتجول،طلبت من بائع الجرائد المتجول نسخة من جريدة الصباح لاطلع على نشر مقالتي"السياسة الخارجية العراقية بين ضبابية الأهداف وقصور الأدوات"،وأثناء الاطلاع على عناوين الصفحة الأولى ،قرأ الراكب الذي بجانبي بصوت عال هذا المانشيت ،أن السيد رئيس مجلس الوزراء يدعو المعارضة السورية إلى العراق لعقد لقاء تشاوري وتصالحي وحل المشكلة السورية ،فعاد الراكبان إلى تعليقاتهم النارية ،حيث ضحك احدهم بصوت عال وقال:"الظاهر أخونا يغار من رجب طيب اوردغان يريد يصير مثله مهم بالمنطقة ويحل المشاكل العالقة، والكلام له مازال :يا عمي إذا بيكم خير تفضلوا بحل مشاكل العراق ونزاعاتكم التي لا تنتهي واتفقوا على حلول قبل أن تحلوا القضية السورية".
هذه وجهت نظر تقرأ دعوة السيد رئيس مجلس الوزراء وهي تقف في زاوية المواطن الذي أغلقت افقه المشاكل الداخلية وتعب من الاستماع إلى أخبار التسويات والتقاربات في الداخل العراقي وهو يرى أن هذا النزاع والتقاطع غير مبرر ولا يمكن السكوت عنه،,انه يجري لمصالح حزبية وفئوية بعيدا عن معاناة المواطن واحتياجاته.
تنظر أطراف عراقية سياسية وشعبية أخرى ،أن هذه الدعوة من قبل السيد المالكي هي عمل بالنيابة لتنفيذ الرغبة الإيرانية التي تريد تطويق الأزمة في سورية وإنقاذ الوضع،وان إيران لا تستطيع دعوة المعارضة السورية إلى طهران لذلك فإنها طلبت من بغداد أن تقوم بهذا الدور ،وبحسب أصحاب وجهة النظر هذه ،أن بقاء الحكومة السورية الحالية من مصلحة إيران الحليف الاستراتيجي لها ومن مصلحة شيعة العراق وقادتهم،فالمجيء بحكومة سنية جديدة تعني إنهاء التحالف الإيراني- السوري،وعودة سورية إلى العباءة السعودية والقطرية،وفرصة جيدة لدعم المجموعات السياسية السنية في العراق ،بل عموم الجمهور السني على حساب خسارة الطرف الشيعي.
تنطلق وجهة النظر هذه من قراءة حادة تفترض هيمنة مطلقة لإيران على مقادير الحكومة العراقية ،وترى بان موقف الحكومة من قضية سورية ينطلق من نفس طائفي ومصالح مذهبية بغض النظر عن إرادة المتظاهرين السوريين,ويظهر جليا الانزعاج من العلاقة الإيرانية السورية والرغبة الملحة في فض هذه الشراكة وإعادة سورية إلى الحلف السعودي حيث المصالح من لون آخر.
في نقاش عبر قنوات مختلفة منها خلال مكالمات هاتفية وأخرى بمراسلات بريدية مع نخبة أخرى مختلفة من سياسيين وأكاديميين ومسؤولين حكوميين ،يرون أن هذه الدعوة تأتي في إطارها الطبيعي الذي يفترض على العراق أن يقوم بكل الخطوات التي تدعم وتؤمن المصالح العراقية ، وان هذه الخطوة تعيد العراق إلى مكانته الطبيعية في المنطقة والعالم ، وأنه ليس اصغر شأنا من تركيا والسعودية وقطر ودول أخرى.
تنطلق هذه الرؤية من قناعة مفادها،أن الوضع في سورية مجهول النتائج وان أي تدخل عسكري أو تطور للازمة يمكن أن يفجر الأمور إلى اللانهاية، وان القادم سيكون دولة غير مستقرة تهدد المصالح الأمنية والاقتصادية العراقية،وان الحكومة الحالية ليست ايجابية ولكن يمكن الوصول إلى تسويات لإصلاح شانها وإشراك المعارضة وكل أطياف الشعب السوري،وان العراقيين يعرفون مرارة وجسامة التغيير بواسطة العامل الخارجي وفداحة النتائج المترتبة عليه، لذلك فان احتواء الأزمة وإيقاف دوامة العنف والتحول إلى الحلول السلمية وإيجاد صيغة جديدة تستوعب شراكة حقيقية في الحكم في سورية جديدة أفضل بكثير للمصالح العراقية من نظام غير معروف الملامح ومصير مجهول للنتائج.
من المنطقي أن تكون هذه القراءات المتعددة لقضية حساسة وملتبسة مثل الموضوع السوري،لان المنطلقات تتباين لكل من هذه الرؤى المختلفة ،ويعبر بعضها عن إدراك ساذج للمواقف والقرارات وأما الآخر، فيقرأ الأمور من زاوية مصالح ضيقة تكاد تسد عليه الطريق أمام أي تفكير موضوعي يرى المصالح الوطنية لكل العراقيين بعيدا عن الانغلاق في دائرة ضيقة.
لا اعتقد أن أحدا يقول أن النظام السوري عادلا أو ديمقراطيا أو يمثل جميع أطياف الشعب السوري ،ولا احد يقول أن سياسات حزب البعث السوري وبشار الأسد والأجهزة الأمنية حكيمة أو خالية من التعسف والقهر والاستغلال والمحسوبية ،كما انه لا يختلف اثنان على وجود تهميش وإقصاء في سورية وان الكثير من القضايا الحقة مثل حق الكرد في سورية لم يتم تسويتها بطريقة عادلة،ولا مناص من إحداث تغيرات جوهرية تتناسب مع تطلعات الجمهور السوري والمرحلة الجديدة التي تمر بها المنطقة ، وان أسلوب ترحيل الأزمات أو الحلول الأمنية لا يمكن أن ينفع في هذه المرحلة.
بالمقابل لا ينبغي التوهم بان هذا السعي العربي المحموم وخصوصا من قبل قطر والسعودية ومعهن تركيا والحملة الإعلامية النارية على نظام الأسد والإجراءات غير المسبوقة من الجامعة العربية ،هي لسواد عيون السوريين ونصرة لقضيتهم العادلة ، بل هي بحثا عن مصالح وأجندات التقت مع التطلع للتغيير وتتحرك في إطار تحريض أمريكي وأوربي وبغض للحلف الإيراني السوري من منطلقات مذهبية وعقائدية.
لا بد من إدراك أن العراق لا يحتمل أي جوار مضطرب أو نزوح إلى أرضه ولا أي أنظمة تحريضية تزيد من الانقسام في داخل صفوفه ، وان متطلبات الأمن القومي العراقي تمتد لما هو ابعد من الحدود العراقية ، لذلك فان الاطمئنان على الوضع السوري وتسوية مشكلته بالطرق السلمية يأتي في إطار الحفاظ على المصالح العراقية من جهات كثيرة.
أشجع النخب العراقية وكل قطاعات المجتمع على الحوار الناضج والهادئ البعيد عن الإسقاطات والأحكام المسبقة والذي يفترض المصلحة الوطنية العراقية كأساس له ، فان هذا رافد مهم لتقويم السياسات العامة في البلد وأداء الحكومة , ومن جهة أخرى أدعو الجميع إلى الوقوف على كافة الملابسات والظروف لكي يتفهمون بعض القرارات أو المواقف التي قد لا تناسب رغباتهم.
مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات