ملكيون أكثر من الملك يؤذون الوطن ولا ينفعون الملك
تشهد معظم الصحف الإلكترونية وكذلك بعض الندوات والحوارات مساجلات بين بعض كتاب المقالات وأصحاب الآراء والأفكار من جهة والمعلقين على هذه الأفكار والآراء من جهة أخرى. ولعل هذه المساجلات كان يمكن لها أن تكون في إطارها المألوف والطبيعي لولا ما يلاحظ عليها من حدية وتجريح شخصي وتشهير وتخوين وأحيانا إطالة لسان خصوصا من بعض المعلقين الذي يتخذون من أسمائهم الوهمية وسيلة للإساءة لكاتب مقال أو صاحب رأي أو النيل من سمعته ومصداقيته. وتتجلى أكثر مظاهر الأذى والتطاول عندما يتناول مقالا معينا الدعوة للملكية الدستورية، أو مراقبة الإنفاق العسكري للقوات المسلحة من قبل السلطة التشريعية، أو صلاحيات الملك الكثيرة والكبيرة في إدارة شؤون الدولة ودعوة بعض الكتاب إلى أهمية التنازل عن جزء من هذه الصلاحيات لصالح الحكومة ومؤسسات الدولة المختلفة مما يعزز من مشاركة الشعب في إدارة نفسه بنفسه كما ويحافظ على ذات الملك مصونة وبعيدة عن المسائلة القانونية التي عادة ما تصاحب السلطة واتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير الدولة.
إن أي استعراض سريع للمقالات الواردة في الصحافة الإلكترونية ومراجعة تعليقات القراء عليها تثير كثيرا من الشجون والحزن والشعور بأنه ما زال بيننا وبين الكتابة الموضوعية، وحرية التعبير، وأدب التعليق، وأخلاق الحوار بونا شاسعا. كما أن تناول المقال بالقدح والشتائم من قبل المعلقين الذين أكاد أن أجزم بأن بعضهم إما لم يقرأه كاملا أو أنه يعلق على كاتب المقال بدلا من التعليق على المقال نفسه ناهيك عن إدماج التفكير القبلي المعصب والمتحيز في الحوار يفقد حرية التعبير قيمتها وأهدافها السياسية والإنسانية التي كفلها دستورنا.
كثير من التعليقات الجارحة التي يتناولها بعض المعلقين على المقالات في الصحافة الإلكترونية يمكن تصنيف أصحابها إلى ثلاثة أصناف الأول منها يضم المعلقين ممن لهم مواقف مسبقة والذين يرتبطون مع الكاتب بصلة شخصية معينة ولا يحبون أي كتابة يكتبها مهما كان نوعها وشكلها وهؤلاء أعتقد أنهم بوضع صعب نسأل المولى جل في علاه أن يساعدهم في تجاوز هذا النوع من المشاعر الصعبة.أما النوع الثاني فهم أصحاب فكر ورأي ولكنهم متشبثون في مواقفهم ومؤمنون بصحتها ولكنهم لا يستطيعون سماع وجهة النظر الأخرى ولا تحمل الاختلاف مع مواقفهم ويريدون الأمور على قياس أفكارهم ويميلون إلى إنكار الآخر، وهؤلاء خطيرون أكثر من الصنف الأول لأنهم دكتاتوريون بطبعهم ويريدون الإملاء على الآخرين. وفيما يتعلق بالصنف الأخير وهو الصنف الأكبر للأسف فهو يضم الموالون والملكيون أكثر من الملك نفسه حيث لا يؤمنون بالنقاش ويعتبرون أن الحديث عن الملكية الدستورية وصلاحيات الملك والمطالبة بالحد من تدخل الجيش الجرار من العاملين في الديوان الملكي والأجهزة الأمنية في عمل وزاراتنا ومؤسساتنا ،ومحاكمة من تدور حولهم الشبهات ممن يتخذون من علاقتهم بالملك درعا واقيا من كل محاسبة ، يعتبرون أن مثل هذه المطالبات وكأنها كفر يخرج قائليها من الملة الإسلامية . صحيح أن هناك قطاعا لا يستهان به من أهلنا الذي لا يستطيعون أن يسمحوا لا لأنفسهم ولا لغيرهم أيضا بالتفكير حتى في أي شيء غير تأييد الملك في كل ما قام به أو سيقوم به في المستقبل، فهؤلاء نتاج طبيعي للتنشئة الاجتماعية والتأثير الإعلامي مضافا إليها تعامل النظام معهم على أسس شخصية أو قبلية نفعية أحيانا ، وهم على أية حال أناس طيبون يمكن أن يغيروا مواقفهم مستقبلا حالما يجدون أن تأييد النظام لا يعني بالضرورة عدم نقده وتعديل بعض القواعد التي يقوم عليها. من جانب آخر فأن بعضا من الموالين إن لم يكن كثيرا منهم وصوليين وقناصين فرص، وعازفين على أوتار النظام ومتزلفين إليه بقصد المنفعة الشخصية والاستيلاء على مقدرات الدولة، وضمان استمرار الوضع على ما هو عليه لأنهم بالأصل هم وعائلاتهم منتفعون منه. بعض هؤلاء من مواطنينا ربما يعرفون حق المعرفة أن ما ينادي به بعض الناشطين السياسيين من ملكية دستورية ومن تعديلات تضمن عدم تدخل الملك في تفاصيل العمل الحكومي في السياسات الداخلية والخارجية والعسكرية هو صحيح لا بل بعضهم يتحدث بذلك في جلساتهم الخاصة مع أهلهم والقريبين منهم ولكنهم يقولون عكس ذلك في العلن، ويظهرون مواقف مختلفة لأن الوطن ومصلحة المجتمع ليست هي مبتغاهم فأي وصولية وأي ازدواجية أكثر من ذلك؟
هذه الفئة "الملكيون أكثر من الملك " من الصعب محاورتهم لأنهم لديهم أجندتين، وخطابين،ووجهين متناقضين، ولديهم " تقيه "كبيره يراوغوك في القول ويفاجئوك بالفعل تحت ستار أنهم موالون للملك والنظام.النظام لنا جميعا والأردن لكل مواطنيه، والمعارضة تخدم الأردن ومستقبله ورجال المعارضة ونسائها أحرار وطنيون استشرفوا التغيير ويعملون من أجله ومن أجل الأردن فلا تزاودوا عليهم. الملك نفسه يحاور المعارضة في الديوان الملكي، ورئيس حكومة الملك يحاور المعارضة ليلا ونهارا وربما يأمل أن يصل إلى تفاهم معها بعلم الملك في الوقت الذي ما زال فيه بعض مواطنينا يعلقون على مقالات الكتاب الداعية للملكية الدستورية والحد من صلاحيات الملك وكأنها شتائم وخيانة. أقول لهؤلاء الملكيون أكثر من الملك أنت تضرون الوطن ولا تنفعون الملك لأنكم تخلقون استقطابا باتجاهين متعارضين في المجتمع مما يهيئ مجالا خصبا للصدام لا سمج الله وخصوصا في مثل هذه الأوقات الدقيقة والحساسة التي تعيشها المنطقة بأسرها، كما أنكم تخلقون استعداء غير موجود أصلا للنظام الملكي في الأردن، فالأردنيون يحبون النظام ومخلصون له ولبلدهم ولكنهم يريدون وضع أسس وقواعد جديدة لهذا النظام بحيث تضمن استمراره وتضمن السلم الاجتماعي وتحقق استقرارا لدولتنا الأردنية العزيزة علينا جميعا .أقول لهؤلاء الملكيون أكثر من الملك اتقوا الله وكفاكم ظلما للوطن وقمعا لأصحاب الرأي ولا تسيئوا للملك بحجة موالاتكم له وللنظام .