الفساد لا ينحصر بالهوامير
في هذه الفترة التي يمر بها بلدنا الأردن في موسم ما يسمى بالربيع العربي, نتابع باهتمام ما يقال حول الفساد ورؤوسه ورموزه الكبيرة التي كما يقول البعض (قد أينعت وحان قطافها). ولا يخلو مجلس من مجالسنا إلا ويتناول بحماس هذا الموضوع أملا من الناس في الإصلاح المنشود والذي ربما ينعكس مستقبلا على حياة المواطن ورفاهة الاجتماعي.
ولكنني كمواطن ومتابع ومن خلال خبره عمليه حياتيه ليست بالقصيرة , لاحظت من خلال التواصل المباشر مع العديد من الدوائر الحكومية, ومن خلال ماوصل إلى مسامعي من الآخرين الذين التقيتهم بمواقع عده ومن خلال ماتتناقله وسائل الإعلام المتنوعة أن الفساد والإخلال بالوظيفة ألعامه واستغلال هذه الوظيفة لا يقتصر على اؤلئك الهوامير من علية القوم بل ينتشر بين العديد من الموظفين من الحجم المتوسط والصغير الذين ينتهجون نهجا فاسدا لا يختلف في طبيعته عن النهج الذي تتبعه رموز الفساد من فئة الهوامير. وينطلق هؤلاء الفاسدون المفسدون في نهجهم من أسس إقليميه وجهويه وعشائرية وشخصيه انتفاعيه.
وبالتالي فأن المتمعن للسلوكيات المتبعة في كافة الوزارات والدوائر الحكومية يلاحظ بشكل واضح وجلي أن الفساد(عام وطام) ويتمثل بألف لبوس ولبوس. وللتدليل على ذلك إليكم الامثله الواقعية التالية:
- تتلقى وزارة التخطيط والتعاون الدولي في كل عام عشرات وربما مئات من المنح الدراسية من دول عده وخاصة من دول أوروبيه فلا يسمع المواطن عنها شيئا ولا يدعى المواطنين للاستفادة منها, بل تذهب كلها لموظفي الوزارة كبارا وصغارا وأحبائهم ومحاسبيهم.
- بدلا من تعزيز أسس الشفافية والنزاهة والعدالة, فقد اتجهت وزارة التعليم العالي إلى استبدال أسلوبها القديم القائم على نشر أسماء ألطلبه المستفيدون من المنح الدراسية الخارجية ومعدلاتهم من خلال الصحف الرسمية (اصلاء وبدلاء) إلى أسلوب جديد يقوم على اللفلفة (والطمطره) من خلال دعوة الطالب الذي تقدم للاستفادة من مثل هذه المنح إلى الدخول إلى موقع الوزارة و إدخال رقمه الوطني ورقم جلوسه ليظهر له إن كان مرشحا للقبول أو غير مرشح دون أن يعرف معدلات ألطلبه الآخرين الذين رشحوا وحصلوا على المنح, وهذا تراجع عن مبدأ الشفافية الذي كان سائدا و سبيلا واضحا للفساد.
- هناك طرق عده يمكن للطالب الجامعي أن يحصل من خلالها على القروض الجامعية المتاحة في الجامعات الحكومية, لكن تلك الجامعات لا تعمل بصدق من خلال مديريات ماليتها على توضيح الآليات التي يمكن من خلالها حصول ألطلبه على هذه القروض ونشرها وتوزيعها على كافة ألطلبه, وربما يكون ذلك عن قصد لتبقى مثل تلك القروض متاحة فقط لمن تقدم لهم المعلومة من مقربين وأصدقاء ومحاسيب على موظفي تلك الجامعات, وبالذات موظفي مديريات المالية فيها.
- إن ما يحدث في مديريات التربية والتعليم من فساد يتم أحيانا من خلال عمليات التعيين للمدراء والمساعدين والحراس والمراسلين ورؤساء القاعات وتعيين معلمي التعليم الإضافي بشكل يبتعد في كثير من الأحيان عن أسس العدالة والنزاهة ويتم الرضوخ فيها للضغوط الخارجية والواسطة والمحسوبية, ويتم بالتالي توزيعها على النواب وكبار وصغار موظفي المديريات .
- وللبلديات في الفساد نصيب, إذ يقوم موظفو البلديات بتوزيع الغنائم من خدمات تعبيد وأناره وغيره بالطريقة الانفة الذكر. وان حصل المواطن الذي ليس له ظهر على شيء من هذه الخدمات فلن يكون إلا بعد أن يهدر كرامته ويقلل من قيمته من كثرة المراجعات....أما الحبايب والمحاسيب فلا يحتاجون إلا مجرد اتصال هاتفي وقليل من الفهلوة و خفة دم.
- وما يجري من عطاءات في وزارة الإشغال وغيرها من القطاعات الحكومية لا يخرج في معظمه عن هذا الإطار, إذ بمجرد أن يغض المهندس المسؤول الطرف عن سنتمترات قليله من سماكة خلطة اسفلتيه أو اسمنتيه فانه يوفر عشرات الألوف على المقاول (الراشي) وينتفع المهندس المسؤول (المرتشي) بحصته المتفق عليها, وعلى مبدأ (نفع وانتفع).
-ولحق الفساد حتى وزارة الأوقاف وبالذات فيم يتعلق بالحج, فهناك أعطيات والتفاف على أسس انتقاء الحجاج وتوزيع تأشيرات الحج على العديدين من كبار وصغار موظفي الوزارة من خلال وضعهم في لجان مختلقه للعناية بالحجاج, بينما نرى الحجاج يشتكون بحرقه من ضعف العناية وبعد أمكنة الاقامه عن الحرم ومن عدم رؤيتهم لكل هذه اللجان المنتفعة.
- وفي الختام و نظرا لعدم رغبتي في الاطاله فأنني اكتفي بما ذكرته من أمثله والتي ليست إلا غيضا من فيض من الفساد المستشري في كافة دوائرنا الحكومية والذي يتم وينفذ على أيدي موظفين كبارا كانوا أم صغارا. فهناك العديد من الموظفين الذين لا يألون جهدا في انتهاز الفرص المتاحة للولوغ في الفساد بكافة إشكاله لينالهم شيئا من ألكعكه, إلا من وضع منهم مخافة الله بين عيونه فعمل بشكل جاد وبقدر ما يستطيع على إحقاق الحق ونشر أسس العدالة بين أبناء مجتمعه طمعا في مرضاة الله ورضوانه.