عواصم
كعادة الأطفال الصغار، دائماً علينا الإجابة بمصداقية وشفافيه لكي يثق بمعلوماتنا من قبلهم.. يوم الجمعه الماضي وكالعادة نجتمع كأسرة مع أحفادنا وتبدأ الأسئلة.. سألت "زينة " ذات التسعة أعوام ما هي عاصمة العراق، فقلت بغداد وتلاها "عبد الرحمن " الذي يصغرها بعام ونصف.. من بناها ؟ قلت أبو جعفر المنصور.. وكان الصغار في جعبتهم الكثير من الأسئلة ولكنني حولت الإستفسارات لجدهم، انسحبت وبهدوء وتركتهم لأرجع الى ذلك الشريط المأساوي ما قبل ثماني سنوات.. أين بغداد الأن؟.
يعلن الأميركيون أنهم إنسحبوا من العراق بعد تحقيق نصر مؤزر.. ونعلن نحن من أحب العراق وأهلها أيام العِز أن العراق سُلب ونُهب.. وليس من قوات الاحتلال فحسب إنما بقوى متعددة الجنسية، واغتيلت حضارة لآلاف السنين، وهدمت الجسور، وقتل ما يقارب مليون عراقي، إضافة الى المهجرين والهائمين على وجوههم في هذا الكون.. عاشوا غرباء عن وطن مليء بالخيرات وأصبح مليىء بالعجزة والمعوزين.
بلد كان يحكمه حزب واحد، وقائد عربي قتل ظلماً واستبداداً بآلة متآمره حاقدة، أصبح يحكمه الآن مستغلوا النفط وتسويقه.. فالعراق أصبح البلد المميز بقضايا الفساد، فالعراقيون الذين تهافتوا على الديمقراطية وحقوق الإنسان، يرون بأعينهم السرقات من قبل كبار المسؤولين، وأن مليشياتهم الحاكمة تسرق أمواله وتذهب بها خارج حدود العراق الى بلد حارب معه مدة ثماني سنوات.
قالوا أن الديكتاتور لا يريد الديمقراطية فأعدموه.. ماذا كانت النتائج ؟؟ أن يحكم العراق الطائفية البغيضة، عراق مقسم، دستوره وضعه المحتل.. ووافقوا عليه.. لا أصدق أن الاحتلال رحل من العراق لأن جنوده وعساكره مازالوا في منطقة ما يطلقون عليها "الخضراء " ماذا يريد خمسة عشر ألف من الأميركين في بغداد؟، مزيداً من الجرائم والأكاذيب التي سوقها وفضح أمره لتبرير الغزو.. هل يريدون مزيداً من بث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد بعد أن أرجعوه الى التخلف والدمار؟، هل الديمقراطية التي انشأوها هي في الفضائيات المتعددة أو الصحف البالية.
أننا أدمنا على الألم.. فأخبار الاحتلال في فلسطين، وهدم دور العبادة مازالت تتمدد.. وكأنها تسجيل مصور موثق يجسد خذلاناً عربياً جديداً في ظل ذاك الربيع الذي يحقق بانتصار تونس وليبيا وستأتي مصر محررة من كل أشكال القمع والاستبداد والمحسوبية والفساد.. وإن غداً لناظره قريب.