الثورات العربية تضع التيارات السياسية ذات الطابع الديني على المحك
شكل نجاح الثورات في بعض البلدان العربية الفرصة الذهبية للتيارات السياسية ذات الطابع الديني للصعود والهيمنة على الساحة السياسية وذلك بعد أن كانت غالبيتها تعاني لعقود كثيرة من الحظر والقمع في ظل الأنظمة الديكتاتورية
وعلى الرغم من أن بعض هذه التيارات يفتقد للخبرة والتجربة السياسية كونه تولد من رحم الثورة كحزب النور السلفي في مصر وأن بعضها الآخر يسير وفق أجندة خاصة غير محصورة في نطاق الدولة كحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان إلا إن هذه التيارات سواء أكانت في مصر أم في غيرها فهي تحظى بشعبية لا يمكن إنكارها كونها ذات شعار إسلامي
إن التيارات السياسية ذات الشعار الديني قادمة للحكم في غالبية الدول العربية وهذا ما يدركه الغرب في ظل عقلية انتخابية أيديولوجية للمواطن العربي وكون الغرب لا يستطيع إيقاف عجلة الثورات إلا أنه يستطيع التحكم في مجريات سير هذه الثورات والمسار الذي ستؤول إليه وقد ظهر هذا الأمر جلياً في كل من الثورة المصرية والثورة الليبية
فالغرب يدرك بأن هذه التيارات الإسلامية هي أفضل البدائل للأنظمة القمعية في هذه المرحلة فهذه التيارات من وجهة نظر غربية إما أن تقود البلاد إلى ديمقراطية على النمط التركي أو إلى ديكتاتورية دينية تحظى بشعبية أيديولوجية على النمط الإيراني أو إلى الفوضى الخلاقة على النمط الصومالي وطبعاً جميع هذه الأنماط التي قد تؤول إليها بعض الثورات ستخدم الغرب بصورة ما ومن هنا كان لا بد للغرب من دعم الثورات حتى وإن جاءت بالإسلاميين
أما إذا عدنا إلى هذه التيارات الإسلامية فسنجد بأنها لا تستطيع مواجهة الغرب حتى ولو من الناحية السياسية بل وليس في وارد أجندتها المواجهة الآن لذا لم تجد أمامها إلا أن ترسل برسائل تطمينات إلى الغرب لكي تؤكد على رغبتها في التعايش مع الآخر وهذا بالطبع جزء من العمل السياسي لكن ليس الغرب وحده من بحاجة إلى تطمينات بل أيضاً المجتمع المحلي بحاجة إلى ذلك فالمواطن العربي يريد ديمقراطية حقيقة وتيارات سياسية توفر له الحرية والكرامة وتتطلع إلى مصالح الوطن قبل المصالح الغربية فالمواطن لا يريد من يحصر الديمقراطية في صندوق الانتخابات ثم يسقط الديمقراطية من قاموس حكمه بعد الانتخابات كما لا نريد من يعتبر أن الأصل في الانتخابات أنها مزورة إلا إن نتج عنها فوزه كما لا نريد من يجعل من حزبه أو جماعته فوق الدولة والقانون أو لحزبه الولاية الشرعية أو الوصاية على الشعب
والمؤكد بأن فوز هذه التيارات السياسية ذات الطابع الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في بعض البلاد العربية سيضعها على المحك السياسي داخلياً وخارجياً فهناك فرق كبير بين ممارسة المعارضة وبين ممارسة السلطة الأمر الذي يجعل هذه التيارات أمام امتحان حقيقي أمام أنصارها وأمام بقية الشعب من حيث عدم وقوعها في نفس الأخطاء التي وقعت بها الأنظمة السابقة ومن حيث مدى مصداقية رفعها الشعار الديني وبالطبع نتمنى لهذه التيارات أن تحسن ممارسة السلطة وأن لا تكون السلطة مقبرة سياسية لها كما كانت مقبرة لبعض التيارات الأخرى ...