العلم الأردني والملك المؤسس مغيبان عن هويتنا وساحاتنا
- هل يبعث التأمل في العلم الأردني وصورة الملك المؤسس في نفس الإنسان الأردني مشاعر ما، أو تعزز اتجاها معينا؟ من المفروض أن يبعث كلا الرمزين في الأردنيين والأردنيات معاني الفخر والانتماء، وأقول انتماء لأن الملك الشهيد رحمه الله أساس إقامة الدولة وتنسحب عليه كلمة انتماء التي تعنى بالارتباط بالوطن.
في دول عديدة يجري غرس أسس للهوية الوطنية أهمها علم الدولة ومؤسسها، ففي الصين نجد صور ماو تسي تونغ تملأ مقار المؤسسات والشوارع والمعالم المهمة، كذلك في تركيا يتغنى الأتراك بمؤسس الدولة التركية الحديثة كمال أتاتورك سواء بالصور أو المنحوتات ويقدسون العلم رمز السيادة، أيضا في أميركا نجد احتراما عظيما وافرا لجورج واشنطن المؤسس، أما العلم فيكاد الأميركيون أن يحفروه على أجسادهم ويقبلونه ليل نهار.
في الأردن هذان الرمزان المهمان مغيبان إلى حد ما، فما يتعلق بالعلم فاحترامه وتقديسه مرتبط بهيئات الدولة الرسمية، فنجده في المدرسة على سارية أو أمام وزارة أما الجامعات فأمام مباني الرئاسة فقط، وأحيانا على تابلوهات السيارات الخاصة، وفيما يتعلق بالملك المؤسس فهو رمز مفقود تماما، وكأن هذا الرجل مر على قرية واستطعم أهلها ومضى، فلا نعرف عنه سوى النزر اليسير، وباعتباره رمز التأسيس لا نشاهد لصوره حضورا في كافة أرجاء المملكة، إلا إذا التصقت صورته بلوحة للحكام الهاشميين هنا أو هناك.
إن دعوتي إلى صياغة جديدة للهوية الأردنية المبعثرة تستند إلى رمزين أساسيين لا يمكن تعريف الهوية بدونهما وهما العلم الأردني الشريف وإحياء صورة الملك المؤسس، لا بد أن يدخل العلم والصورة إلى الغرف الصفية في المدارس والجامعات ومقار الهيئات الخاصة والحزبية، لأن العمل في ظل غير ظلهما هو فساد هوية وخلع للوطنية.
إن وضع رمزان يعبران عن الهوية الأردنية العروبية الرائعة في أرجاء الوطن العامة والخاصة والمتعلقة بالحياة التعليمية في الأردن يمثل إعادة اعتبار للهوية التي طالتها تشوهات عديدة ومن شأنه خلق حالة تأمل إيجابية تخلق اطمئنانا أن الطريق واضح والمسار محدد، وهذه كافية لأن تعود بالوازع الوطني إلى أرقى حالته عوضا عن ضبابية الهوية التي نعانيها وتسبب شللا للروح الوطنية، وتنذر بهبوط معيار المواطنة الصالحة إلى أدنى درجاته.
نريد علما يتأمله الطالب على مقاعد الدراسة طوال فترة الحصة أو المحاضرة، كذلك صورة تذكارية وليست تعظيمية للملك المؤسس ترسخ في ذهنه قصة وطن عظيم وتعزز لديه مشاعر الوفاء لتراب الأردن المجبول بالمعارك المجيدة والتضحيات المشرفة.
أيضا من شأن ذلك أن يميز الغث من السمين، فأما السمين فيسعد ويزداد وقار الوطن لديه مكانة وأما الغث (إن وجد) فسيتربى من جديد على أسس وطنية لا محال من اعتناقها حتى لو هاجر إلى هونولولو.
ألا يستحق العلم منا تفسيرا غير المذكور في الكتب والمناهج التعليمية من حيث دلالات ألوانه ونجمته، لماذا تغيب وتنفى صورة المؤسس الذي يشابه فيما صنع ما قام به قادة عظام سبق ذكرهم، ألا يستحق لوحة على طول واجهة إحدى مباني عمان الشاهقة المتخمة بالدولارات؟
نحن إن استمرينا بتهميش العلم والملك المؤسس فستضيع هويتنا وتطوى صفحتنا لسبب بسيط هو أن أي أمة أو شعب لا يجد ما يرتكز عليه اعتقاد وطنيته فمن الطبيعي أن يعتنق ملة أخرى الأمر الذي سيفسخ حالة الانسجام ما بين المعتقدات الوطنية وسلوك المواطن.
حالة الفساد التي استشرت في البلد في رأيي تعود إلى تولي أشخاصا لمناصب وهم لا يحترمون العلم ولا يقدرون مؤسس الدولة، ولا ينتمون أصلا للتراب الأردني بل لزجاجات الويسكي والمنافع الخاصة.
ما أتحدث عنه من تغييب خلق حالة من الكفر بالوطن ورويدا رويدا ستذوب الهوية الأردنية في بوتقة ليست أردنية بل فئوية ضيقة، ستسهم في زعزعة أمن واستقرار الوطن الذي يعاني عنفا مجتمعيا غير مسبوق.
أعجبني شباب 24 آذار عندما رسموا من الحجارة التي تلقى عليهم عشية اعتصامهم أمام الداخلية خارطة الأردن، وأعتقد أنهم لو ظلوا على نفس هذا النسق الجميل لكسبوا ثقة الشارع والرأي العام ولكنهم سرعان ما اصطدموا مع الدولة وتحولوا إلى حراك شبابي عادي، نتيجة اختراق فكر الحزب الإسلامي لصفوفهم.
لذلك نجد أن فئات عديدة ليست معنية أو حتى مطلعة على الشأن السياسي والاقتصادي الأردني تشارك في حراكات الشعب مدفوعين بما لديهم من مصالح خاصة في التعيين والترقية الوظيفية والمآرب المادية وفئات أخرى لديهم تطلعات لمكاسب سياسية أو شهوة ثأرية وأظن أن السبب لأنهم انطلقوا من أرضية هشة منزوعة الهوية، وهذا ليس كله بيدهم بل مرد بعضه للسياسات التي أهملت صياغة الهوية، وأثارت فيهم قيم النفع الخاص والضييق.
أتطلع أن يزاحم العلم الأردني وصور الملك المؤسس أعلاما وصورا لا علاقة لها بالهوية الأردنية أو عموم الشعب الأردني ترفع في مسيرات الحزب الإسلامي في الشارع والجامعات، فربما بعدها سنتحدث في صياغة جديدة لفكر وبرامج الأحزاب أهي تعبر عن الهوية الأردنية أم غير ذلك.
مجلس النواب مطالب بسن تشريع جديد يملأ هذا الفراغ في الهوية الوطنية الأردنية، كأحد واجباته إن كان يدعي التمثيل الحقيقي لطموحات وآمال الشعب، ويستدرك الإسفاف الحاصل في التعاطي مع موضوع الهوية ويضيق الخناق على محاولات التعبير من منطلقات ليست منضوية تحت جناح الهوية الأردنية برمزيها الكريمين.