الجيش والمهمة الإنسانية
عندما أُنشئت الجيوش كانت مهمتها حماية الأرض ، والإنسان معاً ، ولم تكن ضمن مهماتها حماية السلطة ، أو القيادة ، لأن السلطة أصلاً موجودة قبلها ، وكانت ذاتها محمية من الشعب ، ومع الزمن ظهرت مفاهيم جديدة للدفاع عن الأرض ، والإنسان تقول: حتى تكون محصناً ومنيعاً عليك احتلال ما يُمكن احتلاله من أرض الغير ، وتضخمت هذه المقولة حتى أخذت صفة الوحشية مما سبب الدمار للإنسان والأرض ، وفي عصرنا الحديث عاد الجيش إلى مهمته الأولى التي أنشئ من أجلها ، وبقيت القيادة تنعم بتأييد الشعب وحين أراد الشعب في مصر أن يقول كلمته ، ويسحب دعمه عن القائد وقف الجيش إلى جانبه حامياً وليس مشاركاً .
لا نُريد من هذه المقدمة سوى أن نؤكد على دور الجيش عبر التاريخ الإنساني ، والتاريخ الحديث، وضمن مفهوم أُسرية العالم فقد أُضيفت مهمة إنسانية للجيش لم تكن الأمم السابقة تفكر بها ، فهو اليوم جزء من الأسرة العالمية ، تابع للأمم المتحدة لحماية الإنسان في المناطق الأكثر خطورة وسخونة ، وهذه المهمة الإنسانية الجديدة التي يتحملها الجيش ، تُؤكد على وظيفته الأساسية التي أنشئ من أجلها ، فالإنسان عامة ، في أي بقعة على هذه الأرض كان ، هو ضمن دائرة الحماية من الجيش ، من هنا ظهرت ثقافة إنسانية جديدة إلى قاموس أفراد الجيش ، وهي أممية الإنسان وقدسية حمايته ، وهذه الثقافة قد أخرجت الجيش من صفوف المواجهة ، والخنادق المختلفة ، إلى صفوف المساندة ، والخندق الواحد ، وحين يذهب أفراد من جيشنا العربي في إحدى المهمات الإنسانية التي تنتدبه إليها الأمم المتحدة ، نحسُّ أننا خلفه وقد أصابتنا عدوى محبة الناس ، والوقوف معهم في محنتهم ، وهنا علينا أن نذكر بتأكيد قوي ماهية الإنسان الذي نعني ، إنه الإنسان المسالم المظلوم والذي يطمح إلى الأمن والأمان ، والعيش بسلام ، وليس ذلك الإنسان الذي تغولت إنسانيته على أخيه الإنسان ، وليس في قاموسه غير اغتصاب حقوق الآخرين ، وزرع الفتنة والخوف في نفوسهم .
إن جيشنا ليس استثناء عن الجيوش الأخرى ، بل هو ضمن هذه الثقافة الأسرية الإنسانية ، فقد وجد نفسه اليوم يدافع عن حقوق البشر ، وعن أمنهم وسلامتهم ، فكيف به عن حقوق أهله ومواطنيه ، وعزوته ، وهو يدرك مقولة أن الجيوش لا تحمي السلطة ، بل السلطة هي التي تحمي الجيش حتى يبقى حامياً لشعبها مصدر سلطتها ، وشرعية وجودها ، فالجيش الذي نذر نفسه لحماية المواطن ، وأمنه علينا أن نكون دائماً خلفه داعمين مساندين ، فهو النموذج الإنساني الكبير في هذا الوطن ، وأرى أن القيادة والشعب والحكومة بكل مؤسساتها تقف صامدة بمحبة جيشها .
وأخيراً هل يحق لي أن أقول : إن الجيش هو رئة نتنفسُ منها حريتنا ، وأمننا ، وسلامنا ، وهل يحق لي أن أتحدى و أقول : الويل الويل لمن تسول له نفسه بأن يفكر في ثقب رئتي .