مثقفون يتحدثون عن تأثير الربيع العربي على المشهد الثقافي الأردني
المدينة نيوز – تشكل التحولات السياسية التي شهدتها العديد من البلدان العربية العام الفائت علامة فارقة في المشروع النهضوي العربي .
ولخص كتاب ومثقفون اردنيون انعكاسات هذه التحولات على المشهد الثقافي الاردني من ناحية الوعي , بتأكيدهم على اهمية الوعي الفكري وترسيخه في وجدان الفرد ليكون دعامة ضد الفوضى والعدمية . مدير الدراسات والمعلومات في دائرة المطبوعات والنشر الدكتور عبدالله الطوالبة قال ان الحاجة باتت ملحة في اعادة تعريف الثقافة والمثقف ازاء هذا السيل من التحولات مبينا ان (الربيع العربي ) حمل أحداثا متتالية ومفاجئة للعالم وربما للعرب انفسهم .
واوضح الدكتور الطوالبة انه من الطبيعي أن تختلف الرؤى والاتجاهات في التعامل مع انتفاضات الربيع العربي ونتائجها وتداعياتها ، لافتا الى ان المثقفين تباينت آراؤهم واتجاهاتهم ومواقفهم ازاء ما حدث , فمنهم من أيد هذه الانتفاضات أو الثورات مؤكدا انها بداية مرحلة جديدة في التاريخ العربي ، وهناك من اختار موقفا مغايرا.
وحول تأثير تلك الثورات على المشهد الثقافي الاردني قال رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الاردنيين غازي انعيم انه لا يختلف اثنان على أن المشهد الثقافي الأردني تأثر بما جرى من هبات جماهيرية في محيطنا العربي , وانعكس هذا التأثير على المثقف الأردني والشارع بجميع تياراته , وكان الطابع السلمي هو السائد لحراك الشارع الأردني .
واضاف انه لا بد أن نشير الى أن تأثير هذه الهبات على المشهد الثقافي الأردني لا يقع ضمن دائرة التحول السريع ، لكنه أعاد هيكلة منطق التفكير لدى المثقف , وأن الأكثرية المثقفة تعيش حالة من الانقسام بسبب المواقف من الهبات الجماهيرية، ولم تعد متماسكة، حيث اسهمت هذه الهبات بايجاد قسمين في الشارع الثقافي بين مؤيد ومعارض لما يجري .
واعتبر انعيم ان من ايجابيات هذه الهبات ظهور عناصر ثقافية تنادي بتعزيز ثقافة الحياة، وثقافة العمل، وثقافة في مواجهة الغزو الأجنبي والتبعية .
وقال ان تلك الايجابيات بحاجة إلى ترجمة ضمن خطوات عملية تتيح المجال لإعادة رص الصف وتقوية الخطاب الثقافي والحد من خطاب الترهل وتسخير الطاقات الإبداعية في المؤسسات الثقافية لتسهم بقدراتها في بناء إنسان جديد قادر على الاسهام في استئناف رسالته الحضارية تحت شمس عالم لم يعد فيه البقاء إلا للأصلح .
واتسم المشهد الثقافي الأردني خلال عام الثورات بحسب قوله بتذبذب واضح على مستوى الإنتاج الفكري والإبداعي ، وكان حضور المثقف في دائرة الفعل باهتا ولم يكن مشاركا في حراك الشارع ، وغابت مطالب المؤسسات الثقافية وشعاراتها المتمثلة بتوفير الدعم المالي للارتقاء بالإبداع في مختلف المجالات.
"لذلك تمر هذه المؤسسات الممثلة للمبدعين الأردنيين بمرحلة دقيقة في تاريخها بسبب قلة الدعم المقدم لها من الحكومات ووزارة الثقافة التي لا تكفي ميزانيتها لإنتاج فيلم سينمائي واحد " كما اضاف انعيم .
واكد انه من المبكر الحكم بشكل عام على تأثير الهبات العربية على المشهد الثقافي الأردني، وأن المطالب التي رفعت في العديد من الدول العربية كانت جميعها تنادي بالحرية والديمقراطية ورفض الفساد والانغلاق والتحيز للثقافات الإقليمية على حساب الثقافة الوطنية.
رئيس رابطة رسامي الكاريكاتير الاردنيين جلال الرفاعي قال ان التأثير على مجال الكاريكاتير كان كبيرا منذ اليوم الاول لانطلاقة الربيع العربي كون هذا الفن جماهيريا وشعبيا , وكان موضوع البوعزيزي وغيرها من موضوعات الربيع العربي حاضرة في معظم الرسومات التي تناولت الحدث وما تبعه .
واضاف ان رسامي الكاريكاتير , دائما ما يتناولون في رسوماتهم جميع القضايا الاجتماعية والسياسية التي تهم المواطن مثل التركيز على الفساد والواسطة .. والى آخر هذه العناوين التي كانت السبب في اندلاع الثورات.
واشار الرفاعي الى ان الرسامين أصبحوا جزءا من التغيير أو من الأسباب التي حفزت عليه , ولو جمعت لوحاتهم في كتاب لكانت رواية كاريكاتيرية متكاملة تشرح الحدث يوما بيوم , ولكانت خير شاهد على توثيقه .
واعتبر ان الصورة ضبابية بالنسبة لتأثير ثورات الربيع العربي على المشهد الثقافي الا من أعمال بسيطة لا ترقى الى مستوى الابداع , والسبب أن زلزالا بهذه القوة لا بد وأن يأخذ وقتا لكي يصبح تأثيره واضحا خصوصا وأن المشهد ما يزال حاضرا ويتغير بين لحظة وأخرى ولم ترفع الستارة بعد عما يتبعه.
ورأى الشاعر غازي الذيبة انه على مستوى الكتابة الابداعية فانها الاكثر تلمسا لخضرة الربيع العربي وتحديدا الشعر ، فهو الاكثر حساسية من بين اشكال الابداع للتواصل مع التحولات والتغيرات , كما رأى في هذا المنطوق أن خميرة الربيع العربي بدأت تشكل قصيدة ربيعية خضراء، أبعدت الشعر عن يأسه وهي تحرج الشعراء المنعزلين عن الهم العام اليوم، وتضعهم في مواجهة مع قصيدة جديدة، تتفق مع هذا المتوهج بخضرته .
واكد الذيبة "كأي بلد عربي، تأثر المشهد الثقافي في الاردن، بالربيع العربي، بل هو من المشاهد المهيأة دوما لاستقبال أي نبض عربي حر، ففي مكوننا الثقافي، تتوقد معاني الوحدة والتضامن العربيين، الى جانب أن الاردن هو الاكثر التصاقا بقضية العرب الاولى فلسطين، ما عزز حاسة الاندغام في نبض الامة".
وقال إن الثقافة في الاردن التي هي جزء من الثقافة العربية، لم تكن بعيدة في تلمس هذا الربيع، بل شكلت جزءا من كيانيته، بدأنا نلمحها في روحية ما ينتج من أعمال ذات سمة ثقافية , ناهيك عما يمكن ان نتلمسه في ثقافتنا اليومية .
ويقول القاص الدكتور هشام البستاني ان التأثير الأهم للانتفاضات العربية على المشهد الثقافي هو الكشف عن التناقضات الصارخة في مواقف الكثير من المثقفين إزاء مفهوم (الحرية).
ويؤكد الناقد والكاتب سعيد حمزة انه ليس غريبا على أمتنا العربية ما يدور في دولها من حراك للتجديد أو التغيير أو التعديل، فالزمن العربي على امتداده الطويل يتحدث الكثير عن أمة ذات أدوار تاريخية ، لها آثارها المباشرة على حضارات العالم منذ القدم وإلى هذه اللحظة التي سطرت ما لا تسطره حضارات أخرى مشيرا الى ان لكل حضارة سمات، وسمة حضارتنا العربية التميز والانفراد.
وقال القاص الزميل جعفر العقيلي ان الأصل في الأدب أن يكون "تنبؤياً واستشرافياً"، لكنه في الحالة العربية الراهنة لا يبدو كذلك، باستثناء نماذج من المنتَج الشعري قدمت رؤية أو تطلّعت إلى أفقٍ قبل حلوله، استناداً إلى الطبيعة الانفعالية للشعر، لذلك تتوالى القصائد تتناول حدثاً أو موقفاً وهو ما يزال مشتعلاً , بينما لا يتوافر هذا للنص السردي (القصة أولاً، ثم الرواية) .
إذ يتطلب كما اضاف توثيقُ اللحظة تريُّثاً من هذا النص، لإنضاج الأفكار، وتأمُّل الأحداث ومراقبة التداعيات، كي يكون النص قادراً على التعبير عن الحدث والارتقاء إلى مستواه.
وقال العقيلي انه في ظل حقيقة أن الأدب رسالة وموقف، فإن المبدع مطالَب بأن يكون في الصدارة إن كان الحديث يجري عن حراك جماهيري مطالبٍ بالإصلاح أو منادٍ بالديمقراطية، أو متطلّعٍ إلى الحرية.
وراى ان الأدب "فعل تحريضي"، بالمعنى الإيجابي للكلمة، لكن هذا ما بدا غائباً للأسف خلال أحداث تونس ومصر، وبقية المنطقة العربية، فقد تَشكّل الحراك في الشارع بعفوية وبدوافع وحوافز ذاتية، ولم يكن للمثقف (النخبة) دور في ذلك.
ويتطلع إلى أن يستعيد المثقف دوره، وأن يكون منجزه استشرافياً وقادراً على تفهم تطلعات المجتمع وحاجاته , فالمبدع الذي لا ينهل في نصوصه من واقعه، لا يستحق هذا اللقب أصلاً.
واشار الى الدافع وراء إصدار مجموعته القصصية الثانية (ربيع في عمّان)، بعد عزوفٍ عن النشر (لا عن الكتابة) دام تسع سنوات .
-- ( بترا )