" لا تغضب " وصية ثمينة
عندما جاء رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام طالباً النّصح في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ورواه ابو هريرة رضي الله عنه قال : " أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام أوصني , قال لا تغضب فردّد مِراراً ,قال لا تغضب ".
في هذا الكلام الثمين وصية لكل بني الانسان ليمتثلوا للخُلُق الإسلامي الرفيع بالابتعاد عن صفة الغضب (والتي نعاني منها في زمننا المعاصر) لأنها صفة لا تمتُّ للإنسانيّة ولا لذوي الرحمة بصلة,بل هي صفة مقيتة تجعل من صاحبها ذو عقلٍ تُغلّفُهُ الغشاوة , وتتحكم به مشاعر وعواطف بعيدة كل البعد عن المنطق في ردة الفعل , وتتحكم أيضاً به انفعالات لا يدري أنها ستأخذه بالنهاية الى ندم .
فهاهي الانفعالات والتربية اللادينية في التعامل مع الأمور تجعل من ثورة الغضب عند حاكمٍ ما يقوم بالقتل والبطش, وهاهو الشعب الذي ينادي بثورة الغضب يحصد ما لا يحمد عقباه في الكثير مما يسمى بصحوة عربية! أين ثورة الرحمة التي نادى بها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم؟! أين هي الرأفة بين الحاكم والمحكوم ؟! نعم هناك حكاماً ظلمة ولكن نحن من صنعناهم! أين من يطالب بالرحمة وهو آكل حقوق؟! أين من يطالب بالعدالة وهو سيد الظُّلَّام؟! أعتقد أن الحل بيدنا إذا أردنا ربيعاً عربياً فلنبدأ ربيعاً في إصلاح ما بيننا وبين الله وما بيننا وبين الناس من جهة أخرى (هذا للمطالبين بالعدالة على وجه الخصوص) وهم ظُلَّام يمشون على الأرض في عهد الجاهلية الحديثة!.
وها هي أيضاً الانفعالات التي تكون بين أبناء المجتمع الواحد والبلدة الواحدة الذين يغضبون لأنفسهم على أمرٍ تافه , فلا غضب إذا انتُهِكت حرمات الله ولكن شَيطٌ وثورة إذا ما سُبَّت شخصيته العظيمة فتجد الضرب ردةً لهذا الفعل , والشتائم الأقسى وأحياناً تصل الأمور في بعض الحالات الى القتل ودمار أسر بأكملها سواء أسرة القاتل أو المقتول وبالتالي امتداد لذوي هذا القاتل وذاك المقتول بالمشاكل والمصاعب وتوارث الحقد جيلاً بعد جيل فقط لأن احدهم لم يكظم غيظاً.
ولا ننسى أن من يُحرم الرفق واللين يُحرم خيراً كبيراً لقوله عليه الصلاة والسلام: " من يُحرم الرفق يحرم الخير كلّه " .رواه مسلم عن جرير بن عبد الله.
فها هو النبي الكريم عليه أفضل صلوات الله يبين أن الخير كل الخير في الرفق واللين والسهولة واليسر مؤكداً على ذلك في الحديث الذي ترويه عائشة وأخرجه مسلم في صحيحه يقول : "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ".فالبعد عن الرفق والذهاب الى أبعد درجات الغضب سيُنتج عواقب شائنة مهما كان شخص الرجل الغضبان كبيراً ومُعظّماً فستسقط هيبتُه بمجرّد إتْباع نفسه للإنفعالات السلبية وعدم ترك الخالق جل جلاله ينتصر له ويستعجل للانتصار هو لنفسه.
فالغضب لا يكون إلا على حرمات الله فلم يغضب النبي إلا انتصاراً لحقّْ , ومُتّكلاً على الله في نفس الوقت وليس على البشر لحل المعضلات ,وأما نفسُك إذا أُسيء إليها فدع الله يدافع عنها فهو ناصرُ كلّ مؤمن لقوله تعالى: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا .. ".فلنكن من المؤمنين في هذا!
ولنتذكر الأجر الكبير على الصبر وعدم الغضب في وعده صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة واخرجه مسلم في صحيحه حين قال : "إن الله رفيق يحب الرفق , ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه ".
الرفق والبعد عن الغضب صفة الأشداء الأقوياء لان النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بان القوي والشديد هو من يملك نفسه عند الغضب وليس الذي تنفلت زمام الامور منه ولا يستفيد من نصيحة خير البشر الثمينة التي قال فيها "لا تغضب " وكررها مراراً وتكراراً للرجل المستنصح.