غض البصر عن الحلال
ننطلقُ في موعظتنا لهذا اليوم من قوله تعالى: "ما عندكم ينفد وماعند الله باق " ,فالمالُ فانٍ لا محالة سواء مالُك أو مالُ الغير ,فقولُه صلى الله عليه وسلم (ما على التُّراب تُراب) توجيهٌ لنا في أن لا ننظرَ إلى ماهو من طين وتراب ِ كالبيوت الفخمة ـ أو حديد ـ كالسيارات الفخمة ـ إلّا على أنّه ترابٌ مُزخرفٌ فقط.
ومن لطائف ما ذُكِر عنه صلى الله عليه وسلم : "أنَّه مرَّ برجل يُصلح خصّاً له (أي بيت) فقال له عليه الصلاة والسلام ...والله إنّي لأرى الأمر أعجل من ذلك ". فغضَّ النبيُّ الكريم بَصَرهُ عن حلال الدنيا ولم يُشغِل قلبهُ بها وزَهَدَ في ما أيدي هذا الرجل بل وأمره أن يزهد هو أيضاً بما يملك ويطمع بالقريب الدائم وهو قصور الآخرة.
فإذا ما أتبعنا أنفسنا رغباتها وتطلُّعاتها إلى ما عند الغير (ليس حسداً وإنما لمجرّد الغبطة حتى) فسينشغل القلب بهذه الرغبات ويصبح يجمع شهوات عديدة في مخيلته من متاع الدينا حتى يقسو قلبُهُ على أن يتذكّر الآخرة الدائمة, ولنتذكر قول الشاعر:
والنّفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها ولكن إذا رُدَّت إلى قليلٍ تَقنَعُ
فلا نُطلق العنان للطّمع في الدنيا , ولنغُضّْ أبصارنا وقلوبنا عن ما في أيدي الناس حتى لا يأتي فينا تعظيم العمارة أو السيارة .., نعم اذا ملكناها فلنحمد الله ولكن لنكن كما كان الصحابة يدعون دوما:(اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا), فالقناعة كنزٌ لا يفنى , ولنبقَ مع حديث المصطفى عليه السلام الذي يرويه أبو هريرة وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ".
وأيضا بنفس السياق التّوجيه النبويُّ للزُّهد فيما عند الناس بل وعدم تمنيه في القلب يورث محبة الناس لك , وهذه المحبة يدفع الكثيرون من أهل الوجاهة مالاً ليحصلوا عليها فالنبي أعطاك حلّاً لتحصل عليها في قوله صلى الله عليه وسلم: " ازهد في الدنيا يحبُّك الله , وازهد فيما عند الناس يحبُّك النَّاس ". رواه ابن ماجه عن الصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي.
وهذه الدنيا ليس لها قيمة بل هي البلاء والّلعن لقوله صلى الله عليه وسلم : "ألا إن الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلّا ذِكرُ الله تعالى وما والاهُ , وعالماً ومُتعلّماً "رواه ابن مسعود وأخرجه الترمذي في سننه.
وأنت يا ابن آدم حقُّك في الدنيا هو ما لخَّصهُ الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم بقوله في الحديث الذي يرويه عثمان بن عفان رضي الله عنه واخرجه الترمذي في سننه : "ليس لابن آدم حقٌّ في سوى هذه الخصال ::بيتٌ يسكٌنُه,وثوبٌ يُواري عورَتَه ,وجِلف الخبز والماء ".
قيل الجلف هو الخبز الغليظ غير الطري وقيل هو وعاء يحفظ به الخبز وقيل الخبز الحاف الذي لا طعام معه..
فلنقف عن تخيُّلِ زُخرُف الدّنيا وطَلَبِهِ دوماً , ولنعفّ أنفسنا عن ما في أيدي الغير , ولنقنع بما أُعطينا من نعم الله علينا غاضّين بَصرَنا عن حلالِها كما هو غضُّ البصرِ مطلوبٌ عن الحرام.
*امام مسجد عبين الكبير ورئيس منتدى الجنيد الثقافي ـ عبين عبلين