’’ ويجعل من يشاء عقيما’’
حِكمةُ الله سبحانه وتعالى صفةٌ تدور على كل الصّفات ,فهو المُعزّ لحِكمَة وهو المُذلُّ لِحِكمَة , وهو المُحيي لحكمة وهو المُميت لحكمة , وهو المُعطي لحكمة وهو المانعُ لِحِكمَة , وكلُّ شيءٍ أرادهُ الله لحكمة لا نعلمها لكنّها في صالح العبد دوماً .
يقول سبحانه وتعالى في الآيات 49 و50 من سورة الشورى: "لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور , أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليمٌ قدير " .
في الآيات توكيدٌ وتأكيدٌ على أن الله سبحانه وحده الخالق والمعطي للذكور والإناث , فيخلق إناثاً هِبَةً منهُ لفلان من الناس ولا يهبُ معه الذّكور وأيضا يهبُ لهذا الشخص ذكوراً ولا يهب معه الإناث , وذاك يعطيه الذكور والإناث واحداً تلو الآخر وهذا مقصوده "يزوجهم ذكراناً وإناثاً " أي يجعلهم من الزوجين في رحم واحد.(من تفسيرالطبري ـ طبعة دار احياء التراث العربي ’ وتفسير القرطبي المجلد الثامن طبعة دار الكتب العلمية) حيث وردت اقوال العلماء والمفسرين في هذين التفسيرين حول تفسير الاية وكلها تجمع على ما لخّصنا من تفسير لها هنا ولكن نذكر المصادر للاستزادة والإطّلاع على أقوال العلماء بالآية.
"ويجعل من يشاء عقيما " الشورى 50 .أيضاً لحكمة يعلمها الله جلّ جلاله يجعل من البشر من لا ينجب.فهو المانع وهو الرزّاق , والأبناء أرزاق كما هو المال تماماً فالله يعطي ويمنع لحكمة .والعقم من القطع أي يجعل فلاناً مقطوعاً من الذرية , والأقوال في تفسير (عقيما) مذكورة أيضا بالمرجعين المذكورين أعلاه.
إذن فالله المعطي لهذا الرّزق المعروف بالذُّرّية والأبناء , فمن أُعطيَ رضي وشكر الله , ومن مُنِعَ شكر وصبر لأن الله أراد ذلك , ولنتذكر أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم لم ينعم بالأولاد الذكور فكلُّهم ماتوا بعد أن وُلِدوا (لحكمة ) أرادها الله , فالإنسان المحروم من الأولاد لا يجزع ولا يعتبر أن عدم وجود الأولاد له عقاب من الله , فها هو حبيبُهُ وصفيُّهُ لم يتنعَّم بالأولاد الذّكور , أيُعقل أن الله كان يعاقب محمداً ؟!.
كيف يتصرَّفُ البعضُ حيال ما يحصل معه من حالات العقم أو إنجاب ذكور دون إناث؟ بعضهم يطلّق زوجته أو يتزوج من أخرى (من باب العقوبة) وليس لإحياء سنة الزواج الثاني ـ ولا ننسى أن الأعمال منوطة بالنوايا ـ لأنها لا تُنجب إلا البنات ظانَّاً أنها المسؤولة عن ذلك ,أو العكس أيضاً فبعض النساء تترك زوجها لأنّه لا ينجب قبل أن يستنفذا كلّ مراحل العلاج الثابتة في الحقائق العلمية بأنها وسائل للانجاب ـ مع التأكيد على حقّ الزّوجة بأن تطلّقَ زوجها الذي يثبت بالتقارير الطّبّيَّة أنَّهُ لا يُنجب ـ ولكن ندعو للصّبر أمام هذه المشكلة والبحث دوماً عن حلول لأن الله ترك باب الأمل مفتوحاً للبشر, وخصوصاً أنّ البعض أنجب بعد عشرين أو ثلاثين سنة فالله القادرُ دوماً.
ونقول للّذي لم يُرزَق بأطفال ..أن تدعوَ الله أن يرزقك ولا تيأس فالله يعطي على الدعاء ما لا تعلم من جزيل عطائه ونقول أيضا لمن حولهم من الأهل الذين يُهوّلون لكلا الطّرفين الأمر , بأن تدعو لهم برزق الذُّرّيّة وليكن محضرُكُم خيراً ولا تؤجّجوا الأوضاع التي قد تنشب بسبب هذا الأمر بين الزوجين.
ونقول أيضا لمن لم يُرزق بأطفال أن تتذكّر حديث المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "إنَّ عِظَم الجزاءِ مع عِظم البلاء وإن الله تعالى اذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرّضا ومن سخط فله السُّخط " رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وأخرجه الترمذي في سننه.
وأيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الترمذي في سننه عن أبي هريرة قال: "ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه و(ولده) وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ".
فلنقف عند هذه النُّصوص الشَّريفة وِقفة تأمُّلٍ ولْنتذكر أن المؤمن من يصبر على السّرّاء والضّرّاء ويشكر عليها , وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن , فلتكن مؤمناً مُسَلٍّماً أمرَكَ لله , ولا تدري لعلّ الخير بل من المؤكد أن الخير دوماً في ما حصل , فكم من مُتَمَنٍّ لأمرٍ وكان هلاكُهُ بما تمنّى ! وكم من مُتَمَنٍّ للذُّرّيّة كانت ذرِّيتُهُ مُهلِكَتَهُ, فها هم آباءٌ لِأبناءٍ منحرفين يتنقلون من مخفرٍ إلى مخفر ومن صُلحة عشائرية إلى أخرى قد أَهلكَهُم أبناؤهُم الذين لم يكونوا قُرَّة عين لآبائهم بل المعذِّبين لهم ,وكم من أبٍ تمنّى لو أنّه لم يُنجب بسبب ابن عاقّ أو (مشكلجي) فكان عليه الابن وباءاً ووبالاً .
نتذكر ..أن الخير في ما حصل وما اختاره الله لك في مصلحة غيبيّة لو اطّلعت عليها لاخترت واقعك